ابدأ بنفسك "شعر" أبو الأسود الدولي

التعريف بالشاعر:

أبو الأسود الدولي: ظالم بن عمرو بن سفيان الدؤلي الكناني (16 ‏ق هـ - 69 هـ ‏ / 605 - 688 م) من سادات التابعين وأعيانهم وفقهائهم وشعرائهم، وهو عالم نحوي وضع علم النحو في اللغة العربية وشكل المصحف ووضع النقاط على الأحرف العربية. ولد قبل بعثة النبي وآمن به ولم يره وتولى إمارة البصرة في عهد أمير المؤمنين علي بن أبى طالب، يلقب بملك النحو. قال عنه ابن حجر العَسقلاني (ثقة في حديثه).

الفكرة الأولى:

1 - حَسَـدوا الفَتى إِذ لَم يَنالوا سَـعـيَهُ **** فَالقَومُ أَعْداءٌ لَهُ وَخُـصُومُ
2 - فاِترُك مُجَــارَاةَ السَّــفِـيهِ فَإِنَّها **** نَدمٌ وغِبٌّ بَعدَ ذاكَ وَخِـيمُ
3 - وَإِذا عَتِبتَ عَلى السَّـــفِيهِ ولُمْتَهُ ****فِي مِثْلِ ما تأَتي فَأَنتَ ظَلومُ

الشرح:

1. يستهل الشاعر النص بتقرير حقيقة وهي وجود الحسد بين الناس وخاصة حسد الناس للفتى عندما يكون صاحب منزلة رفيعة أو غنى، أو عندما يقصرون عن الوصول إلى ما وصل إليه من مال أو جاه أو سلطة. ويتحول الحاسدون إلى أعداء وخصوم، وهؤلاء الحاسدون سفهاء أو حمقى.

2. ويجب على الفتى الابتعاد عن مجاراتهم في سفههم حتى لا يندم.

3. ويؤكد الشاعر على حكمة أخرى وهي أن الإنسان إذا عاب على السفهاء جهلهم وحمقهم وفعل مثلما يفعلون فإنه ظلوم لنفسه ولغيره.

اللمحات الفنية والجمالية:

(الفتى): توحي بالقوة والشباب، وجاءت معرفة بـ(أل) لبيان شهرته المدوية.

(إذ): ظرف للماضي تفيد الثبوت والتحقق، وهي أجمل من (إنْ) التي تفيد الشك.

(إذ لم ينالوا سعيه): جملة تعليلية مفسرة لما قبلها، وكناية عن فشل وخيبة الحاسدين في النيل منه، وسر جمال الكناية: الإتيان بالمعنى مصحوباً بالدليل عليه في إيجاز وتجسيم.

(سعيه): تعبير يوحي بأن مكانة الشاعر مستحقة.

(أعداء - خصوم): إطناب بالترادف يفيد التوكيد، والجمع بينهما للتنوع والكثرة، وجاءتا نكرة للتحقير والذم.

(فاترك مجاراة السفيه): الفاء تفيد السرعة، والبيت نتيجة لما قبله.

(فاترك مجاراة السفيه): أسلوب إنشائي / أمر غرضه: النصح والإرشاد.

(السفيه): التعريف للعموم والشمول وتوخي بقبح صفاته

(فإنها ندم): تعليل لما قبله، والأسلوب مؤكد بإن

(ندم، غب، وخيم): نكرات للتنفير والتهويل، والجمع بينهم لتأكيد الأثر السيئ لمحاورة السفيه.

(غب - بعد ذاك - وخيم): أسلوب قصر للتخصيص والتوكيد

والبيت الثاني كناية عن دعوة إلى البعد عن مجاراة السفيه، وسر جمالها: الإتيان بالمعنى مصحوباً بالدليل عليه في إيجاز وتجسيم.

(وإذا عتبت ...): أسلوب شرط للتحذير والتخويف ويبين ضرر عتاب الأحمق.

(عتبت - لمته): إطناب بالترادف يفيد التوكيد.

(ما): تفيد العموم والشمول

(تأتي): فيها إيجاز بحذف المفعول به للعموم والشمول.

(فأنت ظلوم): تشبيه للمعاتِب بالظالم، وسر جماله: التوضيح، ويوحي بسوء التصرف والحماقة.

(فأنت ظلوم): نتيجة لما قبله جواب الشرط، ظلوم: صيغة مبالغة تفيد كثرة الظلم، وجاءت نكرة للتحقير.

الفكرة الثانية:

4 - يا أيها الرجــــل الْمُعَـلِّمُ غَيْرَهُ **** هَلَّا لِنَفْسِـك كَانَ ذَا التَّعْلِيمُ
5 - تَصِفُ الدَّوَاءَ لِذِي السِّقَامِ وَذِي الضَّنَى **** كَيْمَا يَصِحَّ بِهِ وَأَنْتَ سَـقِيمُ
6 - وأرَاكَ تُصلِحُ بالرَّشَـــادِ عُقولَنَا **** أَبَداً وَأَنتَ مِن الرَّشادِ عَقِيمُ

الشرح:

4. ثم يدعو الشاعر من يقوم بمهنة التعليم لآخرين أن يكون قدوة حسنة، فيعمل بما يعلم فإنه (إذا زل (أخطأ) العالِم زل بزلته عالَم من الخلق) كما يقول أمير المؤمنين عمر بن الخطاب.

5. ويوضح الشاعر فكرته فيجعل المعلم لغيره كطبيب يصف الدواء فيصح به المرضى وهو مريض لا يستطيع أن ينفع نفسه فيبرأ من مرضه.

6. ويؤكد لنا الشاعر أن المعلم الذي ينصح غيره ويحاول أو يوجههم ويصلح عقولهم بعلمه ثم يعجز عن إرشاد نفسه، فهو معلم عقيم لا يستفيد مما يحمل من العلم فنفعه لغيره فقط.

اللمحات الفنية والجمالية:

(يا أيها الرجل): أسلوب إنشائي / نداء للتنبيه وإثارة الذهن استعداداً لتلقي النصيحة بعده.

(الرجل المعلم غيره): تعبير فيه تهكم وسخرية واستهزاء.

(هلا لنفسك): أسلوب إنشائي يفيد الحث والتحضيض والنصح.

(لنفسك كان ذا التعليم): أسلوب قصر بتقديم خبر كان (لنفسك) على الفعل والاسم (ذا التعليم) للتخصيص والتأكيد والاهتمام بالمتقدم.

البيت الخامس: توضيح للبيت الذي قبله.

(تصف الدواء لذي السقام): استعارة مكنية حيث شبه المعلم غيره بطبيب يشخص الداء ويعطي الدواء، وسر جمالها: التوضيح، وتصوير للنصائح والإرشادات بالدواء، وسر جمالها: التجسيم.

(تَصِفُ الدَّوَاءَ لِذِي السِّقَامِ وَذِي الضَّنَى): عطف (ذي الضنى) على (ذي السقام) أفاد التنويع.

(الدواء - السقام / سقيم): محسن بديعي / طباق يبرز المعنى ويوضحه بالتضاد.

(السقام - الضنى): إطناب بالترادف يفيد التوكيد.

(كيما يصح..): تعليل لما قبلها

(يصح - السقام / سقيم): طباق يبرز المعنى ويقويه بالتضاد، ويوحي بالحمق.

(وأنت سقيم): تشبيه للمعلم غيره - ولا يستفيد بهذه النصائح التي يقدمها - بالمريض على سبيل التهكم والسخرية، وهي أيضاً جملة حالية تفيد التوكيد وتوحي بالسخرية منه لسوء تصرفه.

والبيت الخامس كله كناية عن فساد الرأي والحماقة، وسر جمالها: الإتيان بالمعنى مصحوباً بالدليل عليه في إيجاز وتجسيم.

البيت السادس دليل وتوضيح للبيت الأسبق، وفيه كناية عن فساد رأيه، وسر جمالها: الإتيان بالمعنى مصحوباً بالدليل عليه في إيجاز وتجسيم.

(تصلح بالرشاد عقولنا): استعارة مكنية حيث شبه العقول شيئاً مادياً يصلح وشبه الرشاد أداة للإصلاح، وسر جمالها: التجسيم، وفيها أسلوب قصر بتقديم الجار والمجرور (بالرشاد) على المفعول به (عقولنا) للتخصيص والتأكيد والاهتمام بالمتقدم.

(عقولنا): الجمع للكثرة والإضافة للتخصيص.

(أبدا): تفيد الاستمرار.

(وأنت - من الرشاد - عقيم): أسلوب قصر بتقديم شبه الجملة (من الرشاد) على الخبر (عقيم) للتخصيص والتوكيد، والجملة حالية للتوكيد.

والأسلوب فيها خبري للتقرير.

(عقيم): نكرة للتهويل والتحقير.

(تصلح بالرشاد، من الرشاد عقيم): محسن بديعي / طباق يبرز المعنى ويوضحه بالتضاد.

الفكرة الثالثة:

7 - لا تَنهَ عَن خُــــلُقٍ وَتَأتيَ مِثلَهُ **** عَارٌ عَلَيكَ إِذَا فَعَلتَ عَـظِيمُ

8 - ابْدَأْ بِنَفسِـــكَ فَانَهها عَن غِيِّها **** فَإِذا انتَهَت عَنهُ فَأَنتَ حَكيمُ

9 - فَهُناكَ يُقبَل ما وَعَــظتَ وَيُقتَدَى ***** بِالعِلمِ مِنكَ وَيَنفَعُ التَعـليمُ

الشرح:

7. ثم يحذر الشاعر كل معلم أن ينهى الناس عن ارتكاب أفعال ما ويرتكبها هو؛ لأن في ذلك عار كبير وسبة عليه.

8. وينصحه أن يبدأ بنفسه فيهذبها ويؤدبها ويضعها على طريق الاستقامة والهدى فإن فعل ذلك صار حكيما يقتدي به الناس في علمه وخلقه.

9. فالعلم إن لم يقرن بالعمل لم يكن علماً، بل كان لهواً وعبثاً، بل كان خيانة للعهد.

اللمحات الفنية والجمالية:

البيت السابع: حكمة خالدة.

(لا تنه): أسلوب إنشائي / نهي غرضه: النصح والإرشاد.

(خلق): نكرة للعموم والشمول.

(تنه - تأتي): محسن بديعي / طباق يبرز المعنى ويوضحه بالتضاد، ويوحي بسوء التصرف وإظهار التناقض بين الأقوال والأفعال وهو مذموم.

(عار عليك): فيها إيجاز بحذف المبتدأ وتقديره (هو عار)، والحذف للتركيز على معنى الخبر.

(إذا فعلت): إذا تفيد الثبوت والتحقق، الجملة اعتراضية للتوكيد والاحتراس، فعلت فيها إيجاز بحذف المفعول به للعموم والشمول.

(عار عظيم): الوصف للتهويل.

(ابدأ بنفسك، فانهها): أسلوب إنشائي / أمر غرضه: للحث والتحضيض والنصح.

(ابدأ بنفسك): استعارة مكنية يشبه النفس إنساناً ينبغي وعظه ونصحه؛ حتى تكتسب نصائحه للآخرين مصداقية، وسر جمالها: التشخيص.

(ابدأ - انهها): محسن بديعي / طباق يبرز المعنى ويوضحه بالتضاد.

(بنفسك فانهها عن غيها): استعارة مكنية حيث يصور النفس إنساناً ينهاه عن ظلمه وضلاله، وسر جمالها: التشخيص.

(إذا انتهت): استعارة مكنية تصور النفس إنساناً يتوقف عن الضلال، وسر جمالها: التشخيص.

(فإذا انتهت ...): أسلوب شرط للحث والنصح والترغيب

(فأنت حكيم): نتيجة لما قبله، وتشبيه للذي يصلح من نفسه بالحكيم، وسر جماله: توضيح لفائدة التخلص من كل ضلال.

نقد: يؤخذ على الشاعر تكرار حرف الهاء في البيت الثامن في كلمات متتالية [فَانَهها عَن غِيِّها.. فَإِذا انتَهَت عَنهُ] مما أثقل من جرس الكلمات وجعل هناك صعوبة في النطق وهذا يتنافى (يختلف) مع سلاسة الشعر.

(فهناك): البيت نتيجة لما قبله، وهناك اسم الإشارة للتعظيم.

(يقبل، يقتدى): بناء الفعلين للمجهول فيه إيجاز بحذف الفاعل للعموم والشمول.

(يقتدى بالعلم): كناية عن العمل بما يقوله، وسر جمالها: الإتيان بالمعنى مصحوباً بالدليل عليه في إيجاز وتجسيم.

(العلم - التعليم): محسن بديعي / جناس ناقص يعطي جرساً موسيقياً يثير النفس وتطرب إليه الأذن.

والبيت كله كناية عن سرعة الاستجابة وقوة التأثير، وسر جمالها: الإتيان بالمعنى مصحوباً بالدليل عليه في إيجاز وتجسيم.

التعليق العام على النص:

بيئة النص:

ينتمي هذا النص الى العصر الأموي وينتمي الى فن الشعر، ويدور حول بعض الحكم التي تصلح حياة الإنسان والمتصلة بأخلاقيات المعلم فالنص من يشعر الحكمة.

س: بم يتميز شعر الحكمة؟

لون من ألوان الشعر التي انتشرت عند العرب قديماً فهو يدل على ذكائهم وحسن تفكيرهم ويبرز خبرات وتجارب قائله.

س: ما خصائص أسلوب شعر الحكمة؟

  1. مناسبة الألفاظ للمعاني ودقتها مع قلة الألفاظ.
  2. جمال العبارة ووضوح الدلالة.
  3. يحوي خبرات تكشفها الألفاظ بهدف الإصلاح.
  4. دعم الصفات الطيبة في النفس.
  5. قلة الصور لاعتماده على الإقناع العقلي.

س: لماذا جاءت الصور قليلة؟

جاءت الصور قليلة لأن الشاعر اعتمد على الإفهام والإقناع العقلي لا الشحن والتأثير العاطفي.

الموسيقي في النص:

  • الموسيقى الخارجية (الظاهرة): التي تتمثل في وحدة الوزن والقافية، وقد استخدم الشاعر بحر " الكامل " وهو من الأبحر الهادئة التي تناسب الحكمة.
  • الموسيقى الداخلية (الخفية): التي تعتمد على حسن انتقاء الألفاظ ودقتها وجودة الصياغة وترتيب وترابط الأفكار وجمال الصور الخيالية.

سمات أسلوب الشاعر:

  • التأثر بألفاظ القرآن الكريم ومعانيه
  • قلة الصور والأخيلة لاعتماده على الإقناع
  • صوره مبتكرة تفيض حيوية وحركة
  • السهولة والوضوح في الألفاظ
  • جودة الصياغة في أساليبه
  • التنويع بين الخبر والإنشاء للتوكيد
  • الحكمة والخبرة الواسعة والالتزام بها.

س: ما الفرق بين (الغبطة والحسد) (العدو والخصم)؟

الغبطة: أن يتمنى المرء مثل ما عند غيره من النعمة من غير أن يتمنى زوالها عنه والغبطة أحسن الحال والمسرة.

الحسد: تمني زوال النعمة عن الغير.

العدو: من كانت عداوته من أفعال القلوب.

الخصم: من كانت الخصومة معه من قبيل القول.

س: ما المعاني التي تشملها كلمة (غب)؟

الغب: هو عاقبة كل شيء وأخره، والغب بمعنى بعد والغب بمعنى عدم التتابع.

س: ما الفكرة الرئيسة للنص؟

الفكرة الرئيسة هي ضرورة اتساق ومطابقة الأقوال مع الأفعال فالإنسان إذا لم يطبق ما يقوله لا خير فيه.