الفصل الثاني: نظريات التعلم وتطبيقاتها التربوية
أولاً: معنى التعليم:
نحن لا نستطيع ملاحظة التعليم بشكل مباشر، وانما يستدل عليه من السلوك ذاته وعلى هذا يمكن ان نعرف التعليم على النحو التالي: "التعلم هو تغير شبه دائم في سلوك الفرد ناتج عن الخبرة والممارسة".
س: هل كل تغير في الأداء يعتبر تعلماً؟
1. التغيرات في الأداء الناتجة عن النمو: لا تعتبر تعلماً لان العوامل المسئولة عن هذا التغير هي عوامل بيولوجية خارجية عن إرادة الفرد، وليست نتيجة الخبرة والممارسة كما سبق الإشارة في تعريف التعلم.
2. وكذلك التغيرات الناتجة عن التعب: لا تعتبر تعلماً لأن هذا التعب سريعاً ما يزول بمجرد أن يأخذ الكائن الحي قسطاً من الراحة والتعلم وفقاً للتعريف السابق هو تغير شبه دائم لا يزول سريعاً.
نماذج ونظريات التعلم:
أولاً: نظرة التعلم الشرطي الكلاسيكي:
- هي أولى النظريات السلوكية ظهوراً وانتشاراً.
- مؤسسها العالم الروسي ايفان بافلوف المتخصص في فسيولوجيا الجهاز الهضمي.
- بافلوف لاحظ ان الحيوان يفرز اللعاب لمثيرات أخرى محايدة بخلاف الطعام وهذا يدل على انه يستجيب لمثير أخر سماه بافلوف فيما بعد المثير الشرطي تمييزاً له عن المثير الطبيعي وهو ما أدى الى تسمية النظرية بنظرية التعلم الشرطي الكلاسيكي.
أ. بعض المفاهيم الأساسية المرتبطة بالنظرية:
1. المثير الطبيعي: هو المثير الذي ينشأ عن الاستجابة الطبيعية عند تقديمه في البداية، وهو الطعام (ويرمز إليه).
2. الاستجابة الطبيعية: هي الاستجابة بسيلان اللعاب نتيجة المثير الطبيعي وهو الطعام ويرمز لها بالرمز (س/ط).
3. المثير المحايد: هو المثير الذي لا تنشأ عنه استجابة سيلان اللعاب قبل اقترانه بالمثير الطبيعي وقد استخدم بافلوف صوت الجرس كمثير محايد في البداية.
4. المثير الشرطي: هو الذي ينتج عنه الاستجابة الشرطية وهي سيلان اللعاب.
5. الاستجابة الشرطية هي الاستجابة التي تنشأ نتيجة المثير الشرطي، حيث نلاحظ أن تقديم المثير الشرطي بمفرده دون مصاحبة المثير الطبيعي له يكون قادراً على انتزاع الاستجابة الطبيعية هي سيلان اللعاب.
ب. بعض قوانين النظرية:
1. قانون التدعيم:
تتوقف قدرة المثير الشرطي في إصداء الاستجابة الشرطية على عدد مرات اقترانه وتدعيمه بالمثير الطبيعي وكذلك الفاصل الزمني بين المثير الشرطي والمثير الطبيعي.
مثال: عندما يجيب الطالب عن سؤال المعلم إجابة صحيحة، على المعلم ان يشجعه ويدعمه مباشرة.
2. قانون الإنطفاء:
عند تكرار تقديم المثير الشرطي دون ان يعقبه او يدعمه المثير الطبيعي فإن الاستجابة الشرطية تتضاءل تدريجياً ويحدث لها ما يسمى "بالإنطفاء".
مثال: إذا امتنع المعلم عن السماح للطالب ان يقول "انا ... انا" بالإجابة عند طلبه لها فإن هذه الاستجابة بكلمة "أنا ... أنا" ستتضاءل ويحدث لها انطفاء وتقل الفوضى في الفصل ويزداد الانضباط بما يؤثر ايجابياً على التعلم.
3. قانون الاسترجاع التلقائي:
عند تقديم المثير الشرطي بعد فترة من حدوث الانطفاء يمكن ان تظهر الاستجابة الشرطية مؤقتاً ولكن ليس بنفس قوة الاستجابة السابقة وهنا يقال إنه تمت عملية استرجاع تلقائي للاستجابة الشرطية.
ج. التطبيقات التربوية للنظرية:
1. تعلم ردود الأفعال الانفعالية مثل: الخوف والقلق وخبرات الألم.
مثال: يتعلم الأطفال الخوف من الذهاب الى طبيب الاسنان بسبب خبرات الألم المرتبطة بالذهاب اليه.
2. تعديل بعض الاستجابات غير المرغوبة من خلال تكوين ما يسمى بالإشراط المضاد او العكس.
مثال: الخوف من الظلام يتم تغييره من خلال ربطه بمثير غير شرطي مرغوب فيه والعكس.
3. تكوين اتجاهات موجبة نحو شيء سلبي.
مثال: ارتباط الذهاب الى المدرسة بالأنشطة المحببة للطلاب.
ثانياً: نظرية التعلم بالمحاولة والخطأ:
1. إدوارد لي ثورنديك" اسهاماته:
أجرى ثورنديك التجربة التي وضع فيها قطاً جائعاً داخل قفص، حيث أظهر القط في البداية نشاطا عشوائياً، وكان على القط الجائع إصدار استجابة معينة للخروج من القفص والحصول على الطعام الذي يوجد خارج القفص كأن يشد الحبل أو يجذب حلقة، أو يحرك سقاطة الباب وجميعها استجابات تحقق الهدف وهو الخروج من القفص أي حدوث التعلم.
2. اتخذ الزمن الذي استغرقه القط لحل المشكلة وهي فتح الباب والخروج من القفص دليلاً على التعلم، بمعنى أنه كلما تناقص الزمن كان ذلك دليلاً على تعلم الحيوان الاستجابة الصحيحة لحل المشكلة وهي استجابة الخروج من القفص للحصول على الطعام.
أ. بعض قوانين النظرية:
1. قانون التمرين: يشير الى ممارسة الارتباط بين المثير والاستجابة، ويتضمن هذا القانون نمطين:
- الأول: قانون الاستعمال:
ويقصد به تقوية الرابطة بين المثير والاستجابة "وبالتالي كلما زادت مرات الممارسة قوي الارتباط أكثر".
مثال: تدريب طالب الثانوية العامة على الامتحانات، هذا التدريب يقوي الرابطة بين السؤال والجواب الصحيح عن هذا السؤال في كل مقرر على حده، وتزداد هذه الرابطة قوة بقدر ما يحل من امتحانات وتدريبات بما يؤثر إيجاباً في التحصيل الدراسي للطالب.
- الثاني: قانون الإهمال او عدم الاستعمال:
ويشير إلى "عدم الممارسة أو التمرين لفترة من الزمن يؤدي إلى إضعاف الرابطة بين المثير والاستجابة". ففي المثال السابق الإهمال وعدم حل امتحانات في مقرر من المقررات يضعف الرابطة بين سؤال معين والإجابة الصحيحة عن هذا السؤال، بما يؤثر سلباً في التحصيل الدراسي للطالب.
2. قانون الأثر:
1. يشير "ثورانديك" الى أن قوة الارتباط لا تنشأ فقط بسبب تكرار مرات الاقتران بين المثير والاستجابة.
إنما تنشأ بسبب الأثر الطيب الناشئ عن التعزيز الذي يلي حدوث الاستجابة.
مثال: إذا أجبت عن سؤال المعلم إجابة صحيحة فستشعر بالارتياح والسرور، وهذا الرضا سيجعلك تتذكر هذه الإجابة بسرعة إذا سؤلت نفس السؤال فيما بعد، وبالتالي ستقوى ال اربطة بين هذا السؤال إذا لم تجب عن السؤال إجابة صحيحة فستشعر بعدم الارتياح.
3. قانون الاستعداد او التهيؤ Law of Readiness:
يصف هذا القانون الأسس الفسيولوجية لقانون الأثر، فهو يفسر حالات الارتياح وعدم الارتياح التي أشار إليها قانون الاثر وتتضمن ثلاث احتمالات وهي:
أ. إذا كان الفرد متهيئاً للاستجابة وتمت الاستجابة سيشعر بالرضا والارتياح.
مثال: إذا سألك المعلم سؤال وكنت مستعداً للإجابة، وأجبت عن السؤال إجابة صحيحة فإن هذا يشعرك بالرضا والارتياح.
ب. إذا كان الفرد متهيئاً للاستجابة ولم يصدر هذه الاستجابة فإنه سيشعر بالضيق وعدم الارتياح.
مثال: إذا سأل المعلم الصف سؤال، وكنت مستعدا للإجابة عن هذا السؤال، إلا أنه لم يطلب منك المعلم الإجابة فستشعر بالضيق وعدم الارتياح.
أما إذا لم يكن الفرد متهيئاً للاستجابة وأجبر فيه على اصدار هذه الاستجابة فإنه سيشعر بالضيق وعدم الارتياح.
مثال: عندما يسألك المعلم سؤال وأنت غير مستعد للإجابة عن هذا السؤال، وتضطر للاستجابة فإنك بطبيعة الحال ستشعر بالضيق وعدم الارتياح.
ب. التطبيقات التربوية للنظرية:
- تقوية دافعية المتعلمين عن طريق اشراكهم في اختيار أنشطة التعلم.
- الممارسة أساس التعلم الصحيح.
- تقوية الروابط بين المثيرات والاستجابات والأنشطة اليدوية الأخرى كالرسم والتلوين.
- التهيئة والتمهيد للدرس خطوة أساسية تساعد الطلاب على فهم واستيعاب الشرح.
ثالثاً: نظرية التعلم بالفهم والاستبصار "الجشطالت":
أسس مجموعة من العلماء في ألمانيا ومنهم "كوهلر وكوفكا وفرتهيمر مايسمى مدرسة الجشطالت".
تم اجراء التجارب الشهيرة على القردة وضع الموز في اعلى سقف القفص الذي يوجد فيه القرد مع وجود صندوق او صندوقين فيأخذ جوانب القفص كمعينات يمكن للقرد استخدامها للوصول الى الموز.
كيف تتم عملية التعلم بالفهم والاستبصار لدى الجشطالتين؟
يحدث التعلم بالاستبصار فالقرد لم يدرك الصناديق والعصي على أنها ادوات للتسلية ولكن أدركها على انها وسيلة معينة للوصول للهدف وهو الموز بالإضافة الى إدراكه للعلاقات التي تربط بين هذه العناصر.
تعد عمليتي الفهم وإدراك العلاقات من اهم العمليات التي يمارسها الفرد في كافة مواقف التعلم المعقدة، وهما خاصيتان لا توجدان في النظريات السلوكية التي يتم التعلم فيها على اساس الارتباط بين المثيرات والاستجابة كما سبق الإشارة في نظريتي التعلم الشرطي والتعلم بالمحاولة والخطأ.
خصائص التعلم بالفهم والاستبصار؟
- الانتقال من مرحلة ما قبل الحل الى الحل هو انتقال مفاجئ.
- التعلم بالاستبصار في أغلب الأحيان خالياً من الأخطاء.
- التعلم بالاستبصار يظل محتفظاً به لمدة طويلة.
- يستطيع الفرد تطبيق أنماط التعلم بالاستبصار بسهولة في المواقف المشابهة وهو ما يعرف بانتقال أثر التعلم.
- التعلم بالاستبصار موجود لدى كافة الكائنات الحية على السواء مع الاختلاف في درجة التعلم حيث يزداد تبعاً لدرجة ارتقاء ونمو الكائن الحي.
- لا يحدث انطفاء للتعلم بالاستبصار لأنه يصبح جزءاً من الذاكرة طويلة المدى.
التطبيقات التربوية للنظرية:
- يتم التعلم عن طريق الفهم وإدراك المعنى وليس الحفظ.
- التعلم بالاستبصار يقوم على الإدراك الكلي للعلاقات بين الاشياء.
- الربط بين الموضوع الجديد للتعلم والموضوع القديم المتشابه معه.
- -ضرورة الاستفادة من المعلومات والمعرفة في المواقف الجديدة.
رابعاً: نظرية تجهيز ومعالجة المعلومات:
1. يشير " دونالد نورمان" أحد أبرز العلماء الذين ساهموا في هذه النظرية والتي تفترض أن التعلم يرتبط ارتباطاً وثيقاً بتخزين المعلومات وبعض العمليات المعرفية الأخرى.
2. شروط التعلم في نظرية معالجة المعلومات:
الاستقبال: يتم من خلال استقبال الفرد للمنبهات والمثيرات الواردة من العالم الخارجي من خلال الحواس.
الترميز: يتم من خلال اعطاء معاني ذات دلالة محددة للمدخلات الحسية في الذاكرة.
الاحتفاظ: يتم من خلال عملية الاحتفاظ بالمعلومات في الذاكرة، ويختلف مستوى الاحتفاظ باختلاف نوع الذاكرة.
الاسترجاع: يتم من خلال استدعاء المعلومات والخبرات السابقة التي تم ترميزها وتخزينها.
قوانين التعلم في هذه النظرية:
يلخص "نورمان" مفاهيمه الأساسية في التعلم في ثلاثة قوانين رئيسة:
1. قانون العلاقة السببية:
لكي يتعلم الفرد لابد أن تكون هناك علاقة واضحة بين الفعل والنتيجة او (المثير والاستجابة).
2. قانون التعلم السببي: لهذا القانون جزءان:
الجزء الأول: حيث يميل الكائن الحي إلى تكرار الاستجابات المرغوب فيها.
الجزء الثاني: يميل الكائن الحي إلى تجنب الاستجابات الغير المرغوب فيها.
مثال: الطالب الذي يمارس الرياضة باستمرار، وفي نفس الوقت يتجنب أن يشتري الأطعمة من الباعة الجائلين حرصاً على صحته.
3. قانون التغذية الراجعة المعلوماتية:
يشير هذا القانون إلى أن ناتج أي عمل تؤديه، أو فعل تفعله أو حدث سيوفر لك ك ما من المعلومات عن هذا العمل أو الفعل تسمي " التغذية الراجعة المعلوماتية " تفيدك في تصحيح المسار، وبالتالي يحدث التعلم.
س: دلل بمثابة على ارتباط التعلم ارتباطاً وثيقاً بالفهم؟
مثال: يقال إنك تعلمت الشطرنج حينما تفهم جيداً النقلات والاستراتيجيات الأساسية للعبة وغرضها والعلاقة بين بعض الحركات، ونتائجها التي تحصل منها على التغذية الراجعة المعلوماتية، وقد تعتقد أنك تعلمت الشطرنج، ولكنك إذا لم تستطع اللعب أمام العب يتحدى قدراتك، فإنك في الحقيقة لم تتعلمه.
التطبيقات التربوية للنظرية:
- فهم العديد من العمليات المعرفية المركبة على نحو موضوعي وملموس.
- يمكن تفسير سلوك الفرد من خلال خبرات الماضي والأحداث الحالية.
- ضرورة الاعتماد على التكرار اللفظي للمادة المتعلمة.
- الممارسة الموزعة أكثر فاعلية من الممارسة المكثفة.
- الاهتمام بالانتقال الإيجابي لأثر التعلم.
- التركيز على ضرورة الاهتمام بنشاط المتعلم.