الموضوع الثاني: رؤية الفلسفة للأخلاق البيولوجية والطبية

الموضوع الثاني: رؤية الفلسفة للأخلاق البيولوجية والطبية

أولاً: مفهوم الأخلاق التطبيقية:

هي عبارة عن مجموعة من القواعد الأخلاقية العملية التي تسعى لتنظيم الممارسة داخل مختلف ميادين العلم والتكنولوجيا وما يترتب عليها من أنشطة اجتماعية واقتصادية.

مفهوم الأخلاق البيولوجية الطبية أو الأخلاق البيو طبية (البيو تيقا):

هي إحدى فروع الأخلاق التطبيقية ولقد استخدم لفظ "البوتيقا " لأول مرة عام 1970 من قبل العالم الأمريكي "فان بوتر", ولقد ظهرت عدة تعريفات في هذا المجال وهي:

  1. تعريف "جاكلين روس" بأنه معيار يهتم بالسلوك الإنساني الذي يمكن قبوله في إطار القضايا المتعلقة بالحياة والموت وفقاً للتقدم السريع للطب والبيولوجي.
  2. مفهوم البيوتيقا هي الدراسة الفلسفية للجدل الأخلاقي الذي أوجده التقدم الكبير الذي أحرزته العلوم الطبية والتكنولوجية ترتب عليه من مسائل أخلاقية لا تتعلق فقط بمجالات علوم الحياة الحديثة في الطب بل تتعلق بمجالات أخرى مثل السياسة والقانون والدين والفلسفة.

ومن اهم موضوعات البيوتيقا:

  • الإنجاب والتحكم فيه ومدى مشروعية العمليات مثل تأجير الأرحام - الإجهاض.
  • نقل الأعضاء بين الأحياء والموتى ومدى مشروعية الاتجار بها، مدى مشروعية التجريب على الأشخاص - مدي مشروعية الاستنساخ وخاصة الاستنساخ البشري.
  • الإشكاليات المترتبة على عمليات التجميل. الجراحات العصبية والعلاج النفسي الخ.

ثانياً: علاقة البيوتيقا بالفلسفة:

  • البيوتيقا هي فرع أساسي من فروع الفلسفة (الاكسيولوجيا) مبحث القيم.
  • كان للفلاسفة دوراً كبيراً في نشأة البيوتيقا وتطورها ومن أمثلة ذلك:

أ- دانيال کالاهان:

  1. أسس مركز (هيستلغجز) لدراسة علم البيو تيقا.
  2. شارك في تأسيس الموسوعة البيوتيقية.
  3. أسس المجلة الناطقة باسم البيو تيقا.

ب- هانز يوناس:

  1. أكد على الطابع الشمولي للبيو تيقا عن طريق ربطها بأخلاقيات البيئة.
  2. طور مفهوم (المسئولية) الذي يقوم عليه الفكر البيوتيقي.
  3. التنبيه إلى خطورة الأبحاث الطبية على حاضر الإنسانية ومستقبلها.

ثالثاً: الطابع الفلسفي للفكر البيو تيقي:

  1. اللجان الأخلاقية: كان الفلاسفة من أعضاء اللجان الأخلاقية التي صاحبت الفكر البيو تيقي.
  2. التأكيد على الطابع العملي عمل وأصحاب الفكر البيوت يقي على التأكيد على الطابع العملي وهذا ذو صلة بالفلسفة البرجماتية.
  3. تجديد مفاهیم فلسفية للفكر البيو تيقي دور في تجديد وإثراء مضامين ومفاهيم فلسفية قديمة حيث سمحوا بمناقشة قضايا ترتبط بالذات والحياة والحق والخير والواجب وهذا من عمل الفلسفة وقيمها.
  4. التكنولوجيا الحيوية: أظهرت التكنولوجيا الحيوية العديد من القضايا التي تثير الجدل الفلسفي والأخلاقي والديني والقانوني أطفال الأنابيب - الأرحام المستأجرة - الموت الرحيم - والبنوك الحيوية.
  5. ترسيخ قيم: تساهم البيو تيقا في ترسيخ قلم مثل الديمقراطية - الحوار - التسامح وحقوق الإنسان من خلال مناقشة القضايا ذات البعد الفلسفي والقانوني والديني.

ثالثاً: مجالات الأخلاق البيو تيقية :

أخلاق العيادة أخلاقيات البحث العلمي أخلاقيات السياسة الصحية
  1. تحددها المؤسسات المعنية حتى يسهل اتخاذ القرار ورسم خريطة علاج واحترام المريض.
  2. ترتبط بكل ما يواجه آلأطباء من قرارات ومشكلات مع المريض في العمليات – في العيادة كما حددها "ديفيد روس".
  3. أخلاق العيادة ذات أطراف ثلاثة (الطبيب والمريض والمجتمع).

هي بيان الجوانب
الأخلاقية في الأبحاث العلمية التي تتخذ
الإنسان أو أجزاء
جسمه موضوعا لها
يري ديفيد روس ان
هناك ثلاث قضايا يجب الوقوف عندها:

  1. مراعاة مطالب المرضى في العلاج.
  2. مراعاة المسئولية الطبية نحو المرضى.
  3. تحقيق السعادة لجميع أفراد المجتمع.

هى مجموعة من القوانين التى تضعها السلطات لجميع المواطنين دون تمييز وهي تتحدد في 3 مستويات:

  • الصحة العمومية: توفير شروط الصحة من الوقاية والحماية وتحسين الحالة الصحية.
  • منظومة العلاج: مبادئ تقديم الخدمة الصحية للمواطنين في أي منطقة.
  • توفير الموارد الصحية: وهي توفير الموارد اللازمة للعلاج.
  • دور السلطات المختصة:
  1. حق المواطن في معرفة هذه التنظيمات.
  2. التحقق من حرية وكرامة المرضى.
  3. التحقق من العدالة والمساواة في الحصول على الخدمات العلاجية.
  4. الالتزام بالمواثيق الدولية سواء في القطاع الحكومي أو الخاص.

رابعاً: القضايا الفلسفية والأخلاقية الناجمة عن الثورة البيولوجية في ميدان الطب:

1- الإنجاب الاصطناعي: يطرح عدة قضايا منها:

  • التلقيح الاصطناعي: وخاصة في حالة اللجوء إلى طرف ثالث متبرع بالملي مما يطرح مشكلة هوية الطفل وحقه في التعرف على والده البيولوجي.
  • الإخصاب خارج الرحم: وما يطرحه من مشكلات تتعلق بتغير طرق الإنجاب الطبيعية.
  • بنوك المني: وما تطرحه من مشاكل الاتجار في أعضاء الجسم البشري.
  • بنوك الأجنة: وما تطرحه من مشاكل شروط حفظها ومدي مشروعية التخلص من الأجنة الفائضة.
  • استئجار الأرحام: وما تطرحه من مشاكل تتعلق ب: ما النتائج المترتبة على مشكلة استئجار الرحم؟
  1. امتهان إحدى الوظائف الأساسية التي تؤديها المرأة وهي الأمومة.
  2. الابتزاز المادي الذي يتعرض له الزوجان من طرف الأم الحاضنة.
  3. قد يتعرض الطفل من إهمال من قبل الأم الحاملة أو الأم الاجتماعية.

3- قضية زرع الأعضاء وموت الدماغ:

  1. زرع الأعضاء: وهو يطرح المشكلات المتعلقة بالمستفيدين من زرع الأعضاء مما يقود إلى مشكلة الاتجار بالأعضاء وتعريض الإنسان للاستغلال.
  2. موت الدماغ، وهو يطرح مشكلة التوافق حول قبوله كمعيار لوقوع الموت.
  3. الحالة النباتية: وهي تطرح مشكلة التمييز بين الغيوبة طويلة الأمد وقصيرة الأمد.
  4. ماهية الطبيعية الإنسانية: وتدور قضية الطبيعية الإنسانية حول هل تتعلق بالجانب الجسمي أم الجانب النفسي أم الاثنين معاً؟
  5. قيمة الحياة تستلزم قواعد الأخلاق الجديدة تحقيق الثقة المتبادلة بين الطبيب والمريض والامتناع عما يهدد انتهاك كرامة المريض.

بصفة عامة تستلزم الأخلاق الجديدة:

  1. تحقيق الموافقة المستنيرة.
  2. الامتناع عن كل ما يهدد كرامة الإنسانية.

3- بعض المشكلات الأخلاقية التي تطرحها تقنيات الهندسة الوراثية:

المشكلات:

1- الجينوم البشري DNA: هو أحد فروع علم الوراثة الذي يهتم بدراسة المادة الوراثية.

وأهميته: معرفته بالإنسان والأمراض الخطيرة التي تهدده مما يسهل إعداد الأدوية لها إلا أن هناك العديد من المشكلات المترتبة على الجينوم منها.

2- الآثار:

1- التنبؤ الوراثي:

يتمثل في إمكانية الإنسان معرفة مستقبله الصحي مما يترتب عليه نتائج أهمها:

أ- اضطراب حياة الإنسان إذا علم أنه سيصاب بمرض خطير في وقت محدد دون أن تتوافر إمكانية علاجه.

ب- تعرض المعلومات الوراثية الخاصة بالأفراد للاستغلال من قبل شركات التأمين.

2- إجهاض الأجنة: خاصة المتوقع اصابتهم ببعض الامراض الخلقية.

3- توفير مخزون احتياطي للأعضاء والأنسجة والخلايا البديلة: وهذا يفيد في:

أ- علاج الأمراض الوراثية.

ب- القضاء على العقم.

يقول: يقول الدكتور أحمد زويل:

  1. مسؤولية الجينوم لا تتوقف فقط عند تحديد الأمراض والصفات الجسمية بل يمكن أن يحدد طريقة تفكير الفرد.
  2. الجينوم مسؤول عن تحديد الصفات الأخلاقية والاجتماعية للفرد لأنه يعطى الفرد الاستعداد للصفة والبيئة لها تأثير على ذلك الاستعداد.

مشكلة أخرى: الاستنساخ البشري:

هو أخذ المادة الوراثية من نواة خلية جسم الكائن المراد استنساخه مع بويضة مفرغة النواة من كائن من نفس الجنس ويتم دمج البويضة باستخدام تيار كهربائي وتزرع في أنبوبة اختبار ويتم بعد ذلك نقلها لرحم الأم البديلة.

آثارها:

  1. معاناة الافراد المستنسخين من مشكلات الشيخوخة المبكرة.
  2. الحرمان من عائلة حقيقة والحيرة في تحديد نوع العلاقة.
  3. القضاء على مفهوم الوالدية.
  4. تهديد الأجيال القادمة بالفقر البيولوجي وبالانقراض.
  5. تحويل الانسان الي كائن مصنوع سيفقد الخصائص البشرية.

يقول مصطفى محمود:

  • إن الاستنساخ ثورة علمية عبثية لأنه يقضي على كل صور التنوع في كل أشكال الحياة.
  • حكمة الخالق تجلت عن طريق تكاثر الإنسان عن طريق التزاوج لتحقيق التنوع بين الناس في الأفكار والأفعال.

خامساً: معايير الأخلاقيات الطبية الحديثة:

1- المنفعة:

  • هي فعل ما فيه خير لمصلحة المريض.
  • ضرورة أن تكون الرعاية الصحية ذات منفعة للمريض.
  • اتخاذ خطوات إيجابية لإزالة الضرر الكامل عن المريض.
  • ولتحقيق ذلك يجب أن تطبق هذه الأهداف على كل مريض لتحقيق مصلحة المجتمع ككل.
  • مثال: تعد الصحة الجيدة لمريض هدفاً طبياً مهماً.

2- عدم الحاق الأذى:

  • تعني عدم التسبب في إلحاق الضرر للمريض سوء عمداً أو نتيجة الإهمال.
  • نعتبر من قبيل الإهمال أن يقوم إنسان بتعريض إنسان آخر للخطر دون أي داع.
  • المعايير الأخلاقية والقانونية للمجتمع تدعى تطبيق معيار سليم للرعاية مبني على تجنب الخطر.
  • من المبدأ التزام مقدمي الرعاية الحصية برعاية مرضاهم وابعاد الأذى عنهم.

3- احترام الاستقلالية الفردية:

  • تعني حق الفرد التحكم في الرعاية الصحية به.
  • القدرة على القيام بأفعال بإرادته وعن وعي وفهم للأمور بدون تأثيرات خارجية.

4- المساواة والعدل:

تعني ضمان معاملة جميع الأفراد بالمساواة والعدل بغض النظر عن الجنس والعرق والدين والحالة الاقتصادية في الوصول الى التقنيات الجينية التي من شأنها تحسين جودة الحياة.

سادساً: اخلاقيات الأبحاث المتعلقة بالوراثة البشرية:

إن اجراء الأبحاث المتعلقة بالوراثة البشرية يسمي بالموافقة المستنيرة وهو مصطلح يصف التزام الأطباء بالسماح للمرضى أن يكونوا مساهمين نشطين فيما يتعلق بالرعاية التي يتلقونها.

عناصر الموافقة المستنيرة:

1- الإفصاح: وهو عبارة عن أخبار المريض بالمعلومات البحث من قبل الطبيب.

2- الفهم: هو وعى المريض وإدراكه للمعلومات التي حصل عليها (نفس نقاط الإفصاح).

حيث ان الإفصاح والفهم يحققان التالي:

  • يشجع مشاركة المريض في القرارات المتعلقة بالرعاية الصحية.
  • يشجع على إقامة علاقة مستمرة يسودها الثقة بين المريض والطبيب.

3- الأهلية: هي القدرة على فهم المعلومات المتعلقة بقرار ما وإدراك العواقب المترتبة على اتخاذ هذا القرار.

مثال: الشخص قادر على اتخاذ قرار بشأن محل سكن ولكن غير قادر على اتخاذ قرار بتناول دواء ما. فالمبدأ الأخلاقي يوجب على الطبيب حماية الأشخاص غير المؤهلين على اتخاذ القرارات التي من شأنها أن تعرضهم للأذى.

4- الطوعية: يشير الى حق المريض في اتخاذ القرارات المتعلقة بشأن علاجه او مشاركته في الأبحاث الجنية دون أن يتعرض لأي تأثيرات او ضغوط خارجية وتشمل الضغوط الخارجية قدرة الأخرين على فرض إرادتهم على المريض بالقوة، وتتبع أهمية الطوعية من كونها متطلب أخلاقياً لصحة القرار بالموافقة.

5- الموافقة: قبول المريض للمشاركة في الأبحاث بناء على اقتناعه بأهمية دوره.

سادساً: المضامين الأخلاقية للتحري الوراثي:

التحري الوراثي يؤدي إلى العديد من العواقب الأخلاقية منها:

  1. التمييز على أسس جينية: فمن يعاني شذوذ جيني قد يمنع عنهم التأمين الصحي او على الحياة او التعليم المناسب والوظائف المناسبة.
  2. التفرقة في المعاملة: حيث يحرص أصحاب العمل على تعيين من لديهم مقاومة للمخاطر الصحية المرتبطة بعملهم وهذا ما يعد خياراً أرخص مل جعل بيئة العمل اكثر أمناً للجميع.
  3. اليوجينا: سيتم الضغط على الأفراد لاتخاذ قرارات إنجابية على أساس المعطيات الوراثية بمعنی سیتم تشجيع الزواج من بين من يمتلك الجينات المرغوبة وتقليل الزواج من أفراد يمتلكون صفات متنحية وإجهاض النساء الحوامل بأطفال بها شذوذ جيني أو مشوهين.
  4. الحتمية الجينية: وهي الاعتقاد أن الخصائص السلوكية والجينية مثل الذكاء تنتج عن بنية الفرد الجينية وبالتالي قد يستخدم هذا الاسلوب لتبرير التعصب والاستمرار في ممارسة الظلم او يتم خلق طبقة من المنحطين جينياً.

سابعاً: موقف علماء الدين من قضية الاستنساخ:

  1. تطبيق الاستنساخ على الحيوان: مباح لأنه لا توجد ضوابط أخلاقية في الإنجاب بين الحيوانات كما هو عند الإنسان.
  2. تطبيق الاستنساخ على النبات: مباح أيضا ولا قيود عليه إلا إذا كان الاستنساخ يضر بالحيوان او النبات بغير فائدة.
  3. الاستنساخ على الإنسان:
  • بعد نجاح التجربة مع النعجة دوللي وانتاج نسخة طبق الأصل من احدى خلاياها يدا الحديث حول امكانية عمل ذلك من البشر.
  • كما اثارت ولادة أول طفله أمريكية مستنسخه في العالم جدلا فقهيا ودينيا واسعا بين علماء الدين.
  • ففي حين رفض غالبية علماء الدين تطبيق الاستنساخ على الانسان لأنه يتسم عن باقي المخلوقات بأخلاقيات ومشاعر واحاسيس يحددها تشريح ثابت يدعو الى ضرورة وجود رباط أسري، فلا يمكن للوليد ان يستغني عن أمه وحنانها ولا عن أبيه ورعايته أجاز بعض العلماء تطبيق الاستنساخ على الإنسان بشروط.