الموضوع الرابع: التفلسف وعلاقته بالقيم

الموضوع الرابع: التفلسف وعلاقته بالقيم

أولاً: تعريف التفلسف:

  • هو نوع من النظر العقلي الذي يهدف إلى معرفة الأشياء على حقيقتها.
  • وقد قال (جوزایا رويس) بأن المرء يتفلسف حينما يفكر تفكيراً نقدياً إلا أن التفلسف لا يمكن أن ينمو في بينات تمارس السيطرة والقهر مثل:
  1. بيئة أسرية: لا تسمح بالحوار.
  2. بيئة تعليمية وتربوية: تعتمد على التلقين والحفظ والاستظهار منهجاً لإكساب المعرفة.
  3. أجهزة الإعلام: لا تؤمن بتنوع الأفكار والآراء وتعدد أساليب الوصول إلى الحقيقة.

يقول الفيلسوف ديكارت عن التفلسف: حدد رأي دیکارت في التفلسف؟

  1. الفلسفة وحدها تميزنا عن الأقوام المتوحشين وتقاس حضارة الأمم وثقافتها بمقدار شیوع التفلسف فيها والمرء الذي يحيا دون تفلسف يظل مغمض عينيه لا يحاول أن يفتحهما.
  2. التفلسف ينتج: عقول ناضجة، شخصيات مستقلة تتسم بالصدق والصراحة والشجاعة.
  3. إن التفلسف هو الطريق السريع للتقدم وبدونه يتحول البحر إلى بحيرة راكدة.
  • وتتوه الحقيقة غياب التفلسف يؤدي إلى (التعصب - العنف- السلبية).

ثانياً: القيم... معناها وطبيعتها:

المعنى اللغوي للقيم:

القيمة في المعجم الوجيز قيمة الشيء قدره ومن معاني القيمة الدوام والثبات والاستقامة والكمال ففي مجال السلوك يقال: أمة قائمة أي متمسكة بدينها.

المعنى الاصطلاحي للقيم:

بشكل مبحث القيم (الإكسيولوجيا) أحد المباحث الأساسية في الفلسفة العامة ويتركز البحث فيه حول طبيعة القيم ومعاييرها وهذا المبحث يهتم بالبحث في قيم الأشياء وتحليلها فإن فسرت القيم:

  1. بنسبتها إلى الصور الغائبة المرتسمة في الذهن كان تفسيرها مثالياً.
  2. بأسباب طبيعية أو نفسية أو اجتماعية كان تفسيرها واقعياً أو موضوعياً.

وتتحدد القيم الفلسفية في القيم الآتية:

1- قيمة الحق:

  1. تمثل البحث في علم المنطق باعتبار أنه المعلم الذي يبحث في القوانين التي تعصم الذهن من الوقوع في الخطأ.
  2. ولقد أوضح أرسطو أن الحق هو الأداة التي تعصم الإنسان من الوقوع في أخطاء التفكير وبالتالي هو الأداة التي يستخدمها البشر في ضبط تفكيرهم وجعله تفكيرا منظماً.

2- قيمة الخير:

  1. هي التي يتمحور حولها البحث في علم الأخلاق وهو الذي يبحث في الخير السلوكية للإنسان.
  2. يسمى هذا العلم بعلم تهذيب الأخلاق أو فلسفة الأخلاق أو الحكمة العملية.
  3. قيمة الخير هي معرفة الفضائل وكيفية اقتنائها.

3- قيمة الجمال:

  • تمثل محور البحث فيما يسمى ب علم الجمال (الأستاطيقا) الذي يبحث في شروط الجمال ومقاييسه ونظرياته وله قسمان:
  1. القسم النظري العام: وهو الذي يبحث في الصفات المشتركة بين الأشياء الجميلة التي تولد الشعور بالجمال.
  2. القسم العملي الخاص: يبحث في مختلف صور الفن ويطلق على هذا القسم النقد الفني والذي يقوم على كلاً من الذوق والعقل لأن قيمة الأثر الفني تقاس بنسبته إلى صور الغائبة التي يتمتلها العقل.
  • لقد تطورت النظرة إلى هذه القيم الثلاث وأصبح تعرف بفلسفة القيم (الاكسيولوجيا) وتعني ما هو جدير بالثقة وبالتالي هي علم يبحث فيما هو ثمين بتقدير قيمته.

ثالثاً: طبيعة القيم:

1- القيم الذاتية النسبية:

  • هي قيمة متغيرة ينشدها الناس باعتبارها وسيلة لتحقيق غاية معينة. ولذلك فهي تختلف باختلاف الأفراد مثل (الطعام والموسيقى (تختلف من فرد لآخر ومن زمان لآخر حتى داخل المجتمع الواحد).
  • وقد انحاز لهذا المعنى كل من:
  1. بروتا جوراس: زعيم السوفسطائين عندما قال "أن الإنسان مقياس كل شيء (الإنسان الفرد)".
  2. سبينوزا: عندما قال نحن لا نرغب في شيء لأن له قيمة. بل إنه له قيمة لأننا نرغب فيه.
  3. توماس هوبز: قال إن الإنسان يسمي خيراً كل ما يشبع شهواته ورغباته.
  • ومما سبق يتضح لنا أن القيم الذاتية تكون نسبية لأنها تختلف باختلاف الأفراد والزمان والمكان والثقافة.

3- القيم الموضوعية المطلقة:

  • هي قيمة ثابتة لا ترتبط بفرد ولا زمان ولا مكان معين وإنما هي ثابتة في كل مكان.
  • وقد انحاز لهذا المعنى كل من:
  1. سقراط: الذي أكد أن العقل هو أداة اكتشاف القيمة و إرشاد الإنسان لها.
  2. أفلاطون: الذي أكد على وجود مثال واحد ثابت في عالم المثل (الخير).
  3. ماکس شیلر: الذي أكد أن القيمة شيء موضوعي علينا اكتشافه لا اختراعه.
  4. جورج مور: الذي أكد على أن القيم مطلقة وكاملة في الفعل ذاله وتدرك بالحدس.

خصائص القيم وأهميتها

  1. القيم هي نتاج اجتماعي يتعلمها الفرد ويكتسبها من خلال عملية التنشئة الاجتماعية.
  2. مصدرها الحياة حيت تتم من خلال تفاعل الناس بعضهم مع بعض.
  3. يعتبرها الفلاسفة وعلماء الاجتماع جزء رئيسي من الثقافة القومية لأي مجتمع.
  4. هي بمثابة ريان السفينة توجه الإنسان الهدف معلوم وهو فهم القيم التي تمسك بها.
  5. وتعتبر معايير التفضيل يستهدي بها أفراد المجتمع في عمليات التفاعل الاجتماعي.
  6. أخطر ما نعاني منه اليوم هو اختلاف منظومة القيم فالقيم أهم ركائز المجتمع وتمثل ضمير المجتمع.

رابعاً: التفلسف وعلاقته بالقيم:

  1. يرتبط الفكر الفلسفي بالقيم من خلال ما يعرف بفلسفة القيم التي تبدأ من الواقع الفعلي في حياة الناس.
  2. الفلسفة لا تبدأ من فراغ بل تركز على الواقع وتبدأ منه فإذا كان الناس يحكمون على الأقوال (بالحق) وعلى الأفعال (بالخير) وعلى الأشياء (بالجمال) إذن لابد وأن تكون لديهم معايير على أساسها يحكمون.
  3. ويطلق على هذه المعايير اسم (القيم) والفيلسوف يحاول استخلاص هذه القيم من حياة الناس.
  4. تكسب الفلسفة دارسها في عصر المعلومات قيم تجعله قادر على التعايش مع العصر واستشراف المستقبل.
  5. تعد الفلسفة بمثابة مجهود لتنسيق القيم ومحاولة تحديدها.

القيم التي تكسبها الفلسفة:

1- قيمة البحث عن الحقيقة (حب المعرفة):

  1. هي القيمة التي تجعل صاحبها يكشف الحقائق من خلال بحثه عنها وهي تعتبر نشاطاً للوعي لأنها تجعل لدى صاحبها اتجاهاً واعياً من العالم المحيط به.
  2. هي تتكون لدى الفرد منذ بداية معرفته بالعالم المحيط به ومن خلال التمييز بين سؤالين أساسين أحدهما لماذا وهو سؤال الفلسفة الخالد والآخر کیف وهو سؤال العلوم الفيزيائية والبيولوجية.

وهناك عدة نظريات الحقيقة وهي على النحو التالي:

نظرية التطابق نظرية الترابط النظرية البرجماتية في الحقيقة
تعني هذه النظرية أن ما هو حقيقي هو ما يتطابق مع الواقع مثال: القول بأن الكتاب موجود على المنضدة فإذا كان الكتاب موجود بالفعل على المنضدة فيعبر عن الحقيقة. وتعني هذه النظرية أن النظرية ستكون صحيحة إذا تطابقت مع ما لدينا من معلومات سابقة في الذاكرة مثال: نجد في الهندسة القطعة المستقيمة … مالها طول وليس لها عرض فنتحقق أنها صحيحه عند ارتباطها بما هو موجود في الذاكرة. من أصحاب هذه النظرية وليم جيمس – جون ديوي - شليرو التي قامت على أن
معيار الحقيقة الوحيد هو معيار النجاح العملي أي أن معيار الحقيقة يتوقف على
النتائج العملية المريحة التي تؤدي إليها. فالعبارة الصحيحة في نظرهم إذا كانت تعبر عن واقع وتحقق نتائج متوقعة.

ملحوظة: يمكن اختيار صحة أي حقيقة في ضوء الشروط التالية:

  1. إذا أمكن من التحقق الحسي أي تطابق القضية مع الواقع الموضوعي.
  2. إذا كانت تترابط مع كل معارفنا الأخرى.
  3. إذا استطعنا بسلوكنا تحقيق النتائج المتوقعة على أساسها.

2- قيمة الاستقلال الذاتي:

  1. يقصد بها مدى ثقة الإنسان في قراراته الخاصة للحد من وقوعه أسر التبعية للآخرين حتى ولو كانوا يتفوقون عليه بالخبرة أو العمر وترتبط بذاتية الفرد وقدرته على اتخاذ القرار.
  2. قيمة فلسفية تبدو في تعدد المذاهب الفلسفية التي تناول الموضوع الواحد في العصر الواحد.
  3. التفكير الفلسفي يتميز بالاستقلال الفكري وينمي القدرة على ممارسة النقد وتقبله والمقارنة والمرونة الفكرية.
  4. بينما يتميز التفكير عن طريق الغير بالتبعية العمياء ويميت روح الاستقلال والقدرة على النقد وقد أسماه بيكون بأوهام المسرح.
  5. قيمة الاستقلال الذاتي: هي الوجه الظاهر لشعور الفرد بالحرية فتمتع الفرد بالحرية (كحرية الرأي والنشر والعقيدة) هي الدليل على أنه قادر على أن يفعل ويمارس استقلاله الذاتي في العقل رغم التحديات التي يمكن أن تواجهه.

3- قيمة التسامح الفكري:

تعريف التسامح أهمية التسامح الفكري

هو مقوما أساسياً من مقومات التفلسف وهو التسليم المتفهم لوجود أفكار مخالفة
لأفكاري وقبولها مما يجعل الإنسان قادر على الانفتاح على أفكار ومعتقدات
الآخرين ويدرك أن الحقيقة أكبر من أن يدركها عقل واحد والمشكلة الواحدة لها
أكثر من حل.

يري أبو حيان من عاشر الناس بالمسامحة زاد استمتاعه بهم.

  1. يحقق المقدرة على التعايش بين الأفراد والشعوب.
  2. تحقيق المصلحة العامة مع المحافظة على مصلحة الأفراد.
  3. يرفع قيمة العلم والحوار الفعال والبناء حتى يصل الأفراد إلى أهدافهم بالطرق السليمة.
  4. يجعل صاحبه قادر على التطور والنضج والبعد عن الجمود ومصادرة الرأي.
  5. يخلص الفرد من أخطائه التي قام بها وتساعده على تصحيح أخطائه.
  6. يجنب حدوث المشاكل بين الأصدقاء بسبب سوء الظن.
  7. يرفع من رقي الشخص الذي يبادل الإساءة بالتسامح.

4- قيمة الحرية الإنسانية:

  • هي قدرة الإنسان على إدراك الضرورة التي يترتب عليها شعوره بالمسئولية والالتزام بواجبات في الحياة يختارها بإرادته واضعاً في اعتباره علاقته مع الآخرين على أن يحدد القرار النهائي بالنسبة لأي موقف هو ما يميله عليه ضمير الإنسان الحر.
  • يندرج تحت تلك القيمة قيم الالتزام والواجب والاختيار والمسئولية والإرادة الحرة.
  • ومن أهم أقوال الفلاسفة:

  1. الإنسان حر بشهادة العقل والشريعة. (الإمام محمد عبده)
  2. الحرية الكاملة تستتبع المسؤولية الكاملة. (سارتر)

المعنى الاشتقاقي للحرية:

  • وهي تعني انعدام القسر الخارجي والإنسان الحر بهذا المعنى هو الذي لا يتحكم في حركته أحد.
  • فحرية الإنسان كما قال (توماس هوبز) كحرية السيل فطالما حركة المياه تسير في مسارها الطبيعي دون أن يضع سداً في طريقها.

المعنى الاصطلاحي الفلسفي للحرية:

  • هي اختيار الفعل عن رؤية أو بعد تفكير عميق وتدبر.
  • وعلى هذا يمكن التمييز بين نوعين من الحرية:
  1. حرية الاختيار: وهي ما يتعلق بملكة الاختيار الإرادي عند الإنسان فأي سلوك يسلكه الإنسان عادة ما يسبقه إمكانية الاختيار بين البدائل الذي يختار الإنسان بينهم بإرادته الحرة وعقله الواعي.
  2. حرية الفعل: هي تبدأ بأن ينتقل الإنسان من الاختيار العقلي للفعل إلى ممارسته بالفعل دون الخضوع لأي ضغوط خارجية فحرية الفعل تتمثل في القدرة على الإقدام على الفعل مع انعدام القسر الخارجي وعدم وجود أي ضغوط خارجية تؤثر عليه.

- الحدود التي ترتبط بها الحرية: ترتبط الحرية بثلاث حدود وهي على النحو التالي:

- الحرية والشعور:

  1. الحرية تبدأ حينما نشعر بأننا قادرون على الفعل التلقائي الذي يعبر عن شخصيتنا المستقلة دون أي ضغوط.
  2. الفرق بين حياة الإنسان وحياة الحيوان فالحياة الإنسانية الصحيحة تبدأ من حيث تنتهي الحياة الغريزية أي من حيث يبدأ شعور الإنسان بذاته وأن أفعاله ليست نتيجة انفعالات.

- الحرية والضرورة:

  • فالحرية لدى الإنسان ليست مطلقة أي أن للحرية حدود وهذه الحدود تمثل شروطاً ضرورية لوجود الحرية.
  • هناك ضرورة الطبيعية ونحن كبشر جزء من الطبيعة وحياتنا مرتبطة بمعرفة قوانين الطبيعة حتى يمكننا تسخيرها لخدمتنا وكلما كان البشر على دراية بالقوانين المفسرة للطبيعة كلما ما زادت مساحة شعورهم بالحرية.

مثال: تخيل أنك أنت وأصدقائك أبحرتم بهدف الصيد وبدأت السفينة تتمايل بسبب الرياح فإذا كنت تعلم قوانين الرياح وسرعتها لتتحكم في السفينة فإنك قد حققت حريتك تجاه هذه الضرورة الطبيعية.

- الحرية والمسؤولية:

  1. إن الحرية والمسؤولية حدان لا ينفصل أحدهما عن الآخر فانت حر بقدر ما تتحمل من مسؤولية.
  2. إن الحرية المطلقة إذا انتفى عنها كونها حرية تجولت إلى فوضى.
  3. الحياة الإنسانية قوامها الحفاظ على النظام الاجتماعي للقوانين الأخلاقية.
  4. إذا لم يلتزم الإنسان الفرد بهذه النظم والقوانين والتشريعات لفقد إنسانيته وفقد معها حريته.
  5. إن الحياة الإنسانية عبارة عن سلسلة من الاختيارات التي علينا أن نختارها متحملين النتائج المترتبة عليها.
  6. إن الإنسان حر بقدر ما يحافظ للآخرين على نفس القدر من الحرية.