الموضوع الثالث: الفلسفة وأخلاقيات المهنة

الموضوع الثالث: الفلسفة وأخلاقيات المهنة

أولاً: قيمة العمل في نهضة الأمم:

  • يتميز الإنسان عن الحيوان بالعمل فكل ما نستهلكه اليوم هو نتيجة العمل الإنسان فكل حاجات الإنسان تستدعي بذل مجهود للحصول عليه، مثال: الحاجة للماء تستدعي حفر الآبار وتجميع المياه وتحليتها.
  • إننا نعمل من اجل ترويض الطبيعة التي لا تستجب مباشرة إلى احتياجاتنا فتحولها إلى أشياء نحتاجها مثلاً:

تحول الأعشاب المتوحشة إلى حبوب مثل (قمح, دِرّة, شعير) لها قيمة للإنسان واستغلال خيراتها بشكل يناسبه.

ثانياً: مفهوم الأخلاق المهنية:

  • "هي المبادئ والأسس والمعايير الأخلاقية التي لا تستقيم المهنة بدونها".
  • فإن الطابع الإلزامي لسلوك العاملين بها لايركن للضمير أو الوزاع الديني فقط بل للقواعد المستنبطة.

ثالثاً: آراء العلماء:

1- الفريق الأول :

  • يصف هذا الفريق أخلاق المهنة بأنها تحمل بداخلها الطابع العام والخاص ويبدو ذلك في خصوصية الأوامر والنواهي التي تلزم المعلم بأدائها بغض النظر عن مخالفتها للواقع الاجتماعي.
  • رفض أصحاب هذا الرأي كل أشكال السلطة التي تحاول صيغ أخلاقيات المهنة بصبغتها.
  • جعل أصحاب هذا الرأي أن ممارسة العمل الواقعي هو المسئول الأوحد لضبط هذه المعايير.

2- الفريق الثاني:

  • يذهب هذا الفريق إلى ضرورة ارتباط أخلاق المهنة بالطابع الثقافي الذي تمارس فيه. مثال: آداب المعلم يجب أن تكون عامة من حيث دفء العلاقات التي تربط بين الأستاذ وتلميذه، أما الأمور التي تتعلق بأجر المعلم وضرورة احترامه ميول الطلاب فيجب أن تتسم بالنسبية.

3- الفريق الثالث:

فحص الثقافة السائدة في المجتمع قبل وضع المعايير الأخلاقية لهنة المعلم مثل السمات الشخصية للمعلم - وضع المعلم ومكانته. مثال: فالشخص الكاره لمهنة التدريس لا يمكن مطالبتهم بالالتزام بآداب المهنة.

رابعاً: أسباب ظهور مفهوم الأخلاق المهنية:

  1. عجز الأخلاق العامة عن الوفاء بكل ما تحتاجه كل مهنة من التزام خلقي.
  2. حاجة المجتمع لإصلاح الخلل الأخلاقي عن طريق وضع معايير أخلاقية لضبط سلوك المهنين.

فكثيراً ما نشاهد ظواهر تبين عدم التزام أصحاب المهن بقواعد وأخلاق المهنة منها:

  1. الموظف العام الذي يستخدم ممتلكات المؤسسة للأغراض الشخصية.
  2. الموظف العام الذي يخالف القواعد في تقديم الخدمة للمستفيدين منها.
  3. الطبيب الذي يدخن أمام مرضاه.
  4. المهندس الذي يعد رسوماً لمبان ويستخدم مواد غير مطابقة للمواصفات.
  5. المعلم الذي يفصح للطلاب بالامتحان.
  6. ضابط المرور الذي يخالف قواعد المرور.
  7. الإعلامي الذي لا يبذل جهد للتأكد من صحة خبر بل يصيغه حسب هواه.
  8. المدير الذي لا ينضبط في الالتزام بوقت العمل.
  9. عامل المصنع الذي لا يلتزم بالمواصفات ويستخدم مواد تضر بالمستهلك.
  10. التاجر الذي يبالغ في وصف المنتج وهو يضلل المستهلك.

ملحوظة: يتحقق الالتزام الأخلاقي للمهنة عندما لا يشعر المرء بحاجته لقوة أو سلطة تلزمه بآداب وأخلاقيات المهنة، سوى (الوازع الأخلاقي الداخلي الذي يتفق مع ضميره وثقافة المجتمع).

خامساً: أهمية مواثيق اخلاقيات المهنة:

  1. الصورة الذهنية الإيجابية: أن تفعيل المواثيق الأخلاقية وقيم العمل والالتزام بها يؤدي إلى المحافظة على الصورة الإيجابية لدى أصحاب المصالح المتعاملين مع المؤسسة.
  2. الالتزام بالمسؤوليات القانونية والاجتماعية: مثل حماية البيئة من الأدخنة والمخلفات تعد مهمة للغاية من أجل تجنب المساءلة القانونية والاجتماعية الناتجة عن عدم الالتزام الأخلاقي.
  3. تحسين الأداء: إن الالتزام بأخلاقيات وقيم العمل يساهم في تحسين الأداء والعكس في ذلك يؤدي إلى ارتفاع تكلفة الإنتاج نتيجة القضايا الجنائية والمدنية.
  4. الاستخدام الأمثل للموارد: إن الاهتمام بالمواثيق الأخلاقية يعتبر أمر ضرورياً عند اتخاذ قرارات التعلق بالإنتاج. مثال: إنتاج أصناف معيبة من المنتجات يتطلب إعادة انتاجها مما يترتب عليه تعطل الإنتاج.

سادساً: دور الفلسفة في المواثيق الأخلاقية المهنية:

  1. تحليل الواقع الثقافي واستخلاص القيم الأخلاقية الأساسية: يؤسس ميثاق أخلاق المهنة على دراسة تحليلة للواقع المجتمعي والمعايير الأخلاقية التي يتطلبها المجتمع والمرحلة التاريخية التي يمر بها.
  2. تحديد الأسس والقواعد والضوابط المحددة لأداء أعمال المؤسسة: وذلك استناداً للقيم التي يقدمها الفيلسوف للقائمين على المؤسسة.
  3. وضع أسس ميثاق أخلاق المهنة (الإطار المرجعي للمعايير التي تحكم السلوك): بمشاركة الفيلسوف والمتخصصين في المهن المختلفة.
  4. مبادئ الالتزام بالسلوك الإداري والوظيفي داخل المؤسسة: وهو ما يمثل المنتج النهائي لميثاق أخلاق المهنة مما يؤدي إلى جودة المنتج وتقدم المجتمع وخدمة مصالح المجتمع.

سابعاً: أخلاقيات الوظيفة العامة:

1- تعريف الوظيفة العامة:

مجموعة من المهام والمسؤوليات يتم تحديدها في ضوء القيم والمبادئ الأخلاقية هدفها خدمة المصلحة العامة لقص عليها قوانين وأنظمة الخدمة المدنية.

2- تعريف أخلاقيات الوظيفة العامة:

مجموعة المعايير التي يمكن في ترا كم على السلوك باعتباره صحيحاً أو خاطئاً من الوجهة الإنسانية ويحدث الفساد الإداري بسبب الانحراف عن القواعد والمعايير الأخلاقية.

3- عناصر أخلاقيات الوظيفة العامة:

  • الالتزام بالأنظمة والقوانين.
  • احترام قيم وعادات المجتمع.
  • العدالة وعدم التميز.
  • احترام وقت العمل.
  • الانتماء والولاء للمنظمة.
  • حب العمل.

4- مبررات اهتمام المؤسسات والمنظمات بأخلاقيات الوظيفة العامة:

  • تحسين الخدمات المقدمة للجمهور.
  • الشفافية في تنفيذ الأفعال من جانب الموظفين.
  • تنمية قدرات العاملين المهنية وتحفيزهم على تحسين الأداء.
  • تعزز من أداء المنظمة كوحدة من خلال العمل كفريق واحد.

5- آليات تحسين وتنمية الاعتبارات الأخلاقية في مجال الوظيفة العامة:

  • تقدير الأداء الأخلاقي المتميز للموظفين.
  • التحديد الواضح السلطات الموظفين والإداريين.
  • العقل والضمير الذاتي بنا يضمن الاستمرارية.
  • تحسين النظام الرقابي المعمول به في المنظمة.
  • الاستفادة من كل الوسائل المتاحة التي تعزز احترام العمل الأخلاقي.
  • مراجعة التعليمات الإدارية القديمة التي تتعلق بالسلوك الأخلاقي.
  • وضع جزاءات رداعة لمن يرتكب مخالفات أخلاقية.

ثامناً: الواجب المهني للفيلسوف في الحفاظ على الهُوِيَّة الثقافية للمجتمع:

يبدأ الفكر الفلسفي من الواقع (من المجتمع) الذي يعيش فيه الفيلسوف، فالفلسفة لا تبدأ من فراغ بل تركز على الواقع وتبدأ منه لتحديد هوية المجتمع وهوية الأفراد والحفاظ عليها.

والفيلسوف هو الذي:

  1. يحدد عقيدة الوحدة الوطنية لحماية الأمة من التجزئة كما فعل هيجل في المانيا.
  2. يحاول نقل حضارته من مرحلة الأخرى من أجل التقدم.
  3. يقبل كل الأفكار الواردة عليه بعد أن يحللها ويعلق عليها ويلخصها ويفندها كما فعل الفارابي والكندي وابن سينا وابن رشد.

تاسعاً: بعض الأمثلة على رؤية الفلاسفة للعمل:

1- العمل في الفكر الأفلاطوني:

  • پری أفلاطون أن الحاجة البشرية هي السبب في نشأة المجتمع الإنساني (المدنية) حيث لا يستطيع الإنسان كفرد أن يشبع حاجاته بنفسه دون التعاون مع غيره ويحدد أفلاطون هذه الحاجات في الغذاء، المسكن الملبس.
  • ویری أفلاطون لتنفيذ هذه الحاجات يتم من خلال سبيلين هما:
  1. المجتمعات البدائية، حيث يقوم كل فرد بإنجاز هذه الأنشطة بنفسه.
  2. المجتمعات المتحضرة، حيت يتم تخصيص كل فرد في نشاط معين وهذا التقسيم الاجتماعي للعمل هو ما يؤيده أفلاطون.
  • أهمية تقسيم العمل عند أفلاطون؛ يری أفلاطون أن الجميع يستفيد من تقسيم العمل:
  1. يحصل المجتمع على سلعة جيدة.
  2. المنتج سوف يستريح في عمله لأنه يعمل شيء واحد فقط وهو الذي يمتلك فيه المهارة.
  • الفرق بين التخصص وتقسيم العمل عند أفلاطون ورجال الاقتصاد في العصر الحديث في:
  1. لا يهتم أفلاطون بزيادة المترتبة على تقسيم العمل.
  2. يرى أفلاطون أن الهدف النهائي للعمل هو إشباع الحاجات الطبيعية.
  3. ينظر للعمل على أنه يقدمها للمستعمل.

تقسيم أفلاطون للعمل أدى إلى تقسيم المواطنين إلى العبيد والمواطنين الأحرار:

المواطنين الأحرار العبيد
عليهم القيام بالبحث الفلسفي والسياسة وليس عليهم العمل بالحرف
لأن هذا العمل يقلل من شرف الإنسان ولا يتفق مع الفضيلة، ومن
حقهم أن يمتلكوا الأرض الزراعية، أما فلاحة الأرض فتترك للعبيد.

عليهم القيام بالأعمال والحرف
المختلفة، وعلى الأحرار تحمل أعباء تحصيل الرزق.

تعقيب: سؤال نقد؟

  1. يؤخذ على فكرة التخصص وتقسيم العمل عنده إغفال البعد الاقتصادي.
  2. أغفل دور العمل كسلعة وأنه مجرد خدمة.
  3. نظرته الضيقة للعمل جعلت رؤيته عنصرية حيث اقتصر العمل لفئة العبيد فقط.

2- العمل في الفكر الأرسطي:

  • ينطلق السطو کأفلاطون من المدينة كأعلى وحدة اجتماعية وسياسية ويرى أن وظيفة المدينة هي توفير السعادة لأعضائها.
  • يعتبر أرسطو نظام الرق نظام طبيعي بم تفسر؟
  1. ويصف العيد بأنه آلة الحياة: - لأنه يساعد على إنجاز الأعمال المنافية لكرامة المواطن الحر.
  2. آلة منزلية: لأنه يساعد على تدبير الحياة داخل المنزل.
  • يرى أرسطو إن الطبيعة تفرق بين البشر:
  1. أما أن تجعل بعضهم قليل الذكاء أقوياء البينة "العبيد".
  2. وأما أن تجعله كفؤ للحياة السياسية "المواطنين الأحرار".
  • وينتج عن ذلك أن البشر صنفان:
  1. صنف حر بالطبيعة.
  2. صنف عبد بالطبيعة.

تعقيب: حدد النقد الموجه لأرسطو وتفسيره للعمل؟

  1. أخذ بنظام الرق كنظام طبيعي اجتماعي ويؤدي لتحقيق الثروة.
  2. فكرة الرق تأخذ صورة ذات طابع عنصري، حيت يرى أن كل الشعوب غير اليونانية تعتبر رقيق.
  3. اعتبر التمايز بين البشر أمر طبيعي وهو أمر لم يتبنه العلم المعاصر.

3- العمل عند الفارابي:

  • يرى أن المدينة أول درجة في الاجتماع الكامل، وأن السمة المميزة للمدينة الفاضلة هي شيوع التعاون لتحقيق السعادة ومن ثم تحقيق المدينة الفاضلة وقد قسم الناس إلى:
  1. الإمام أو الملك أو الفيلسوف أو النبي: يكون على قمة المدينة الفاضلة.
  2. العمال والفلاحون: في قاعدة المدينة.
  3. العلماء والجند: بين الطرفين في الوسط.

- تعقيب: سؤال نقد؟

  1. تأثره بآراء أفلاطون وأرسطو في تقسيم العمل.
  2. أشار إلى ضرورة التعاون من أجل البقاء وهو متأثر في ذلك بالإسلام.

4- العمل عند ابن خلدون:

  • اهتم بن خلدون بالحديث كثيراً عن العمل وأخلاقيات المهن في كتابه الشهير المقدمة.
  • أن العمل من رأيه هو ما يقيم به الإنسان فلولا العمل والكسب لم يكن هناك قيمة للإنسان.
  • قدر قيمة الفلاحة والزراعة عن مهنة البناء والتجارة كما تحدد عن مهنة التعليم والمعلمين.

مثال: عرف مهنة التجارة بأنها محاولة الكسب لتنمية المال بشراء السلع والبضائع.

وحدد أخلاقيات مهنة التجارة: عدم الغش في البضائع - عدم الاحتكار فهو مفسدة للربح- عدم تضليل المشتري.

5- العمل عند آدم سميث:

يعد آدم سميث أبو الاقتصاد السياسي ويتلخص فكره في:

  1. تعد المصلحة الخاصة والحرية الأساس النظري لفلسفة سميث.
  2. تقوم هذه الفلسفة على الاعتقاد بان النظام الطبيعي قادر على تحقيق الانسجام والتوافق بين المصلحة العامة والخاصة.
  3. وهذه هي فكرة اليد الخفية التي تعنى إن الأفراد في سعيهم لتحقيق مصلحتهم الخاصة يحققوا دون أن يشعروا المصلحة العامة.
  4. ينادى بضرورة ترك الحرية المطلقة للفرد ليعمل بالطريقة التي تناسبه دون أن تحد إلا في حدود المنافسة.

6- العمل عند هيجل:

  1. يعرف العمل بأنه إنتاج للإنسان بواسطة الإنسان فالعمل هو أداة لتحرير الإنسان من سيطرة الطبيعة.
  2. العلاقة بين الإنسان والعمل ليست علاقة معرفية فقط ولكنها علاقة تحويل وتغير متبادلة فالعمل هو نشاط اجتماعي ينجزه الإنسان بعضهم لصالح بعض من اجل تلبية احتياجاتهم.
  3. العمل هو الأساس في العلاقات الاجتماعية.