الموضوع الثاني: نشأة الفلسفة وتعريفها وأهميتها

في بلاد الشرق:

بدأ ظهور الفلسفة والفكر الأخلاقي والحكمة الدينية في حضارة الشرق القديم التي كانت تمثل فجر الضمير الإنساني.

وقد ظهر في تلك الحضارة كثير من الحكماء والمفكرين الذين وضعوا المبادئ الأولى للحكمة والأخلاق والدين.

في بلاد اليونان:

عرف الفكر الفلسفي الحقيقي الذي يتسم بالطابع العقلي النظري لأول مرة عند اليونانيين القدماء، وذلك فيما بين القرن السادس والقرن الرابع قبل الميلاد على ي د بعض الحكماء الأوائل وفى مقدمتهم (طاليس) وغيره من الفلاسفة الطبيعيين.

وظلت الفلسفة تنمو وتكتمل تدريجياً حتى بلغت قمة نضجها على يد سقراط وأفلاطون وأرسطو.

اهتمت الفلسفة اليونانية بدراسة الموضوعات الآتية:

معنى الحياة، الفضيلة ومبادئ الأخلاق، طرق تنظيم المجتمعات، أفضل أشكال الحكومات، والتعليم .... إلخ، إلى جانب موضوعات أخرى مجردة مثل معنى العدالة والحقيقة والجمال.

ملحوظة:

تطورت الفلسفة منذ نشأتها في الشرق القديم وعند قدماء اليونان وحتى اليوم تطوراً عظيماً، وساهمت في توجيه الحضارة الإنسانية وارتقاء حياة البشر، والفلسفة – اليوم – لم تعد معرفة نظرية، بل تحاول أيضاً تنظيم الحياة الإنسانية، ومواجهة القضايا والمشكلات الحياتية.

تعريف الفلسفة ومعناها:

1. التعريف اللغوي لكلمة فلسفة:

كلمة فلسفة في أصلها اللغوي كلمة ذات أصل يوناني مشتقة من كلمة (فيلوسوفيا) التي تتكون من مقطعين هما (فيلو) بمعنى المحبة والإيثار، (سوفيا) بمعنى الحكمة، وبذلك فإن كلمة (فيلوسوفيا) تعني لغوياً: محبة الحكمة.

ولكن الفيسلون اليوناني (فيثاغورث) اول من استخدم لفظ (فيسلوف) بدلاً من (حكيم) لأن الحكمة صفة من صفات الله ولا يحب أن يوصف بها أحد من البشر.

معنى الحكمة:

هي معرفة الرأي السديد الصائب ومعرفة الخير وتطبيق هذا الرأي وعمل هذا الخير في كافة مجالات الحياة ولا تكون قاصرة على معرفة الحقائق.

تعريف الفلسفة ومعناها العام:

من الصعب تعريف الفلسفة تعريفاً واضحاً محدداً بسبب: تعدد وجهات نظر الفلاسفة واختلاف المذاهب والعصور، وبالرغم من ذلك فهي لا تخرج عن دراسة طبيعة الإنسان ومستقبلة وتفسير الكون.

وفيما يلي أهم اتجاهين في تعريف الفلسفة:

أ. الاتجاه الأول في تعريف الفلسفة:

(العلم الكلي الذي يبحث في أصول وغايات الكون والطبيعة والإنسان وغايتها النهائية كشف الحقيقة لذاتها).

وموضوع الفلسفة الرئيسي هنا هو: البحث في طبيعة الأشياء، وحقائق الموجودات رغبة في معرفة العلل البعيدة والمبادئ الأولى.

وأهم ما يميز التفكير الفلسفي لدى أصحاب هذا التعريف أنها محاولة يراد بها معرفة حقيقة العالم.

والفلسفة وفقاً لهذا التعريف تبحث في العلل الأولى لظواهر الكون والطبيعة والإنسان؛ فالفيلسوف يهتم بالسؤال عن المشكلات الكبرى، ما هي الحقيقة؟ وما هو الخطأ؟ وما هو اليقين؟ فالدافع الذي يحفز إلى الفلسفة واحد في كل مكان وزمان، وهو إشباع رغبة الإنسان في المعرفة.

ملحوظة:

ب. الاتجاه الثاني في تعريف الفلسفة:

(وجهة نظر ورؤية عقلية شاملة تجاه الحياة والإنسان والعالم).

أصحاب هذا التعريف يخالفون فلاسفة الاتجاه السابق في تعريف الفلسفة وفى فهم وظيفة الفلسفة باعتبارها بحثاً عن الحقيقة لمجرد إشباع الدافع النظري لدى الإنسان في حب الاستطلاع، ويرفضون قصرها على البحث العقلي في المبادئ العامة والعلل البعيدة على العكس من ذلك، فالتعريف الحالي يؤكد صلة الفلسفة بالحياة.

ملحوظة:

الفلسفة بهذا المعنى لها جانبها التطبيقي الحياتي والذي يظهر في الاهتمام بمشكلات الإنسان ومحاولة حلها، ووفقاً لهذا الاتجاه يمكن اعتبار كل إنسان فيلسوفاً؛ لأن كل فرد له وجهة نظر خاصة عن الحياة والإنسان والمجتمع.

أهمية التفكير الفلسفي للإنسان والمجتمع:

أولاً: أهمية التفكير الفلسفي للإنسان:

  1. يزداد وعينا عن طريق الفلسفة بالعالم الذي نعيش فيه ونحاول فهم مبادئه وغاياته.
  2. (تساعدنا الفلسفة على تحديد مكاننا في الوجود.
  3. أن نحدد أهدافنا ومثلنا العليا.
  4. تجعل لكل إنسان فلسفة خاصة وقيم معينة واتجاهات خاصة في التفكير في نواحي (السياسة، الاقتصاد، الأخلاق، العمل، المجتمع، الكون ... ) إلخ.
  5. تعمل على تشكيل عقلية الفرد بحيث يصبح قادراً على التفكير الناقد: وهو التفكير الذي لا يقبل معرفة أو حكماً إلا بعد بحث وتمحيص، وبذلك يرفض الفرد الأحكام المتسرعة
  6. تعمل على غرس محبة المعرفة والبحث الدائم عن الحقائق حتى يصل الفرد إلى المبادئ الأولى.
  7. دراسة الفلسفة تعطي معنى للحياة وتوسع مجالات تفكير الإنسان وأفقه، وتكسبه القدرة على النقد الهادف، وتحرره من أن يظل دائماً أسير التقاليد، وتجعله يؤمن بدور العقل في كل مجالات الحياة.

ثانياً: أهمية التفكير الفلسفي للمجتمع:

تقوم الفلسفة منذ الماضي البعيد بوظيفة إنسانية فلها أثر ملحوظ في تقدم الحياة الإنسانية وتقدم الوعي في كثير من الشعوب، وتقوم بتغير وتطوير الحياة.

ووسيلة الفلسفة في تغير المجتمع تتحقق عن طريق ما يلي:

  1. غرس وتدعيم قيم جديدة ومبادئ جديدة، سواء كانت اجتماعية أو خلقية أو سياسية أو اقتصادية ... إلخ.
  2. نقد قيم ثبت عدم صلاحيتها للحياة الاجتماعية ورفض الأفكار التي تؤدي إلى وجود مشكلات في المجتمع.
  3. المحافظة على المجتمع، وذلك بالدفاع عن القيم الأساسية التي يتمسك بها المجتمع والتي تحافظ على تراثه وتعمل على استمرار وجوده.
  4. التنسيق بين جوانب ثقافة المجتمع الواحد وتراثه، وفى هذه العملية تحاول الفلسفة التوفيق والربط بين القيم القديمة والجديدة، أي تعمل على تطوير القديم حتى يلائم الأوضاع الجديدة.
  5. تؤثر الفلسفة في الظروف الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والعلمية والدينية في المجتمعات، ولذلك يقال إن الفلسفة تعبر عن حضارة الشعب والعصر التي ظهرت فيه.

وظائف التفكير الإنساني:

1. تفسير الواقع:

أ. هذه أولى وظائف الفلسفة وأبسطها: حيث أن الفيلسوف يكون مشغولاً بالنظر في الواقع الذي يعيشه محاولاً تفسيره تفسيراً شاملاً بحيث يصل إلى علل ما يجري فيه من أحداث سواء كانت علمية أو سياسية أو اجتماعية أو اقتصادية أو غيرها.

ب. الفروع الفلسفية الحديثة. مثل: فلسفة اللغة، وفلسفة التاريخ، وفلسفة السياسة، أثبتت أن الفيلسوف المهتم بتفسير الواقع لا يقف عند النظر فيما يجري فيه من أحداث جزئية، وإنما يسعى إلى الوصول لعلل هذه الأحداث البعيدة، وما يحدث مستقبلاً من تطورات. وعلى ذلك فإن مهمة الفيلسوف ليست مجرد وصف الواقع وتفسيره وإنما البحث عن العلل البعيدة والتنبؤ بما سوف يكون عليه الواقع مستقبلاً.

2. تغير الواقع:

إن هذه الوظيفة تقوم بها الفلسفة إذا وجد الفيلسوف في عصر ما أن هناك خلل في الواقع الفكري أو العلمي أو الاجتماعي أو السياسي يستدعي العلاج أو التفسير.

ولعل خير مثال على ذلك: ما فعله أفلاطون حينما اكتشف ظروف مجتمعه السياسية والاجتماعية التي كثرت أمراضها لدرجة أن الاثينيين أعدموا (سقراط) وهو الذي حاول إصلاح حال (أثينا) ومواطنيها فرسم معالم للمجتمع السياسي الأمثل من وجهة نظره وهو ما يعرف لديه بـ (الدولة المثالية).

إن الفلسفة بهذا دعوة دائمة إلى تجاوز الواقع المعيش إلى واقع جديد أكثر سعادة، فالفلسفة دائماً تقود عجلة التقدم الإنساني في كل العصور.

3. استشراف المستقبل:

ينظر الفيلسوف إلى الزمان على أنه لحظات ثلاث :(الماضي، الحاضر، المستقبل)، فهو دائماً مشغول بهذه اللحظات الثلاث وإن كان شاغله الأهم هو المستقبل. فالحاضر دائماً فيه من المشكلات ما فيه، وفيه من الأمراض الفكرية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية .... إلخ مما يقلق راحة الفيلسوف ويؤرقه، ومن ثم فهو يفكر كيف يتغلب على هذه المشكلات حتى يصبح المستقبل الإنساني أكثر إشراقاً وتقدماً.