الموضوع الثالث: التكامل بين المنهج الاستقرائي والمنهج الاستنباطي

الموضوع الثالث: التكامل بين المنهج الاستقرائي والمنهج الاستنباطي

أولاً: مفهوم العلم بين النظرة التقليدية والنظرة المعاصرة:

أوجه التمايز العلم من المنظور التقليدي العلم من المنظور المعاصر
الطبيعة
  1. الموضوعية: يعتبر العلم موضوعيا خالصا أي متحرر من المحاباة أو التحيز.
  2. فلا يخضع العلماء لأي سلطة بخلاف سلطة المنهج التجريبي.
  3. يستخدم العلماء المنهج الاستقراء التقليدي المتمثل في الملاحظات والفروض والتجارب العلمية بهدف الوصول للقوانين التي تقدر الظواهر.
  1. لم يعد المنهج الاستقرائي التقليدي ملائم للبحث العلمي المعقد.
  2. لذا لجأ العلماء إلى استخدام المنهج الفرضي الاستنباطي الذي يعد نوع من التكامل بين المنهج الاستقرائي والاستنباطي.
الغرض
  1. يهدف المنهج الاستقرائي يتمثل في العثور على القوانين والنظريات.
  2. المنهج لصورته التعليمية يهدف إلى اختبار الفروض.
  3. لذا يرتكز على مبدأ السبية ويرتبط بالطرق الكمية في إجراء البحوث.

في المنهج الفرضي الاستنباطي يقوم الباحث بدراسة وتحليل الظواهر والنظرية السابقة بهدف الوصول إلى فرض جديد يقوم باختياره بالطرق التجريبية المعروفة.

الفرض لا يبدأ الباحث بأي رأي مسبق فهدفه هو العثور على تفسير جديد للظواهر أي انه فرض من الدرجة الأولى يتم التوصل إليه من الملاحظة الدقيقة.
  1. الباحث يبدأ بتأسيس الغرض الصوري ثم يقوم بتنفيذ هذا الفرض استناداً إلى الملاحظة والتجربة.
  2. الفرض الصوري قد يجتاز عدد كبير من الملاحظات والتجارب الدقيقة لذا أي فرض من الدرجة الثانية.

ثانياً: خصائص العلم في ضوء المنهج العلمي المعاصر:

يتمتع العلم وفق المنهج العلمي المعاصر بمجموعة من الخصائص التي تميزه عن غيره من الأنشطة الفكرية الأخرى وأهمها:

  • الموضوعية: فالعلم محايد لا يتأثر بأحكام القيمة ولا برغبات الأفراد وأهوائهم.
  • التحقق من صدق الفروض: يمثل الخطوة الأولى للوصول إلى القوانين والنظريات العلمية في مجال العلوم الطبيعية في الباحث لا يختبر قروضا مفردة بل يختبرون أنسقة نظرية كاملة، كما هو واضح في علم البيولوجي والجيولوجيا ونظريات نشأة الكون فالتجربة في الفيزياء لا تفقد فرضاً واحد معزولاً بل تفند مجموعة نظرية كاملة.
  • حقائق العلم قابلة للتعديل والتغيير: إذ أن النتائج التي يتوصل إليها غير نهائية فهي تقبل النقاش والتقصي والتعديل.
  • يتميز بالتجريد والتعميم: ليس المقصود يحل مشكلة أن الأمر يتعلق بهذه المشكلة فقط بل بكل المشكلات المماثلة في المستقبل.
  • قابلية قضايا العلم للقياس: ارتبطت العلوم الطبيعية بالرياضيات منذ عهد النهضة العلمية ارتباطا وثيقا رغم علاقة الرياضة بالعلوم الأخرى منذ العصر اليوناني إلا أنها زادت في العلم المعاصر مع علم مع الفيزياء والكيمياء. يرجع سبب نجاح استخدام الأرقام إلى أن العلوم الطبيعية تمتلك مجموعة من العلاقات الثابتة التي يمكن التعبير عنها بالأرقام المزيد من الدقة ومن أمثلة ذلك: ثابت سرعة الضوء وثابت بلانك وكتلة البروتون.
  • التنبؤ والمخاطرة بتكذيب النظريات: تعد القدرة على التنبؤ هي الهدف الأسمى والأهم للعلم حتى أن بعض فلاسفة العلم يعدون التقيؤ المعيار المميز بين العلم واللا علم.
  • والتنبؤ: هو قضية يتم تحديدها بدقة ويتم صياغتها في صورة كمية غالباً ما تحدد ما سوف يحدث في ظل شروط محددة، مثال التفاحة التي تسقط من الشجرة تنجذب نحو الأرض بسرعة محددة نحو مركزها.

فالفرض العلمي المقبول يترتب عليه تنبؤات محددة يمكن اختبارها، أما الفروض اللا علمية نادراً ما تقدم تنبؤات.

دلل بمثال على دقة التنبؤ:

مثال رقم (1)

  • اعتمد عالم الفلك الانجليزي (هالي) على مبادئ نظرية نيوتن في التنبؤ بعودة المذنب المعروف الآن باسم "هالي" بعد 76 عاماً من ظهوره في السماء في عصره.
  • ولم يقتصر هالي على مجرد التنبؤ بعودة ذلك المذنب وإنما حدد بدقة بالغة تشمل الساعة والدقيقة لظهور المذنب يعد عشرات السنين.
  • لقد بدأ هذا التنبؤ في عصر هالی خيالياً لا يمكن تصديقه حتى أن البعض شك في إمكان حدوثه.
  • ولكن بعد مضي 76 عاما على ذلك التنبؤ ويعد رحيل هالي ومعاصريه عن الحياة بزمن طويل عاد مذنب هالي للظهور في السماء في نفس الدقيقة والموضع اللذان حدهما هالي تماما.

مثال رقم (2):

نظرية أينشتين: تحدث عن أنه إذا اصطدم جسمان من الثقوب السوداء فسيترتب على ذلك موجات جذب هائلة. لكنه اعتقد أن التحقق من هذا الأمر شبه مستحيل غير أن العلماء استطاعوا التحقق منه باستخدام تجرِبة جديدة.

ثالثاً: الفروض في المنهج العلمي المعاصر:

وظيفة المنهج الفرضي في المنهج العلمي المعاصر

تتمثل وظيفة المرض في المنهج العلمي المعاصر في الآتي:

  • القدرة على تفسير الظواهر الطبيعية التي نلاحظها.
  • تقديم تنبؤات عن ظواهر لم نلاحظها بعد (الوظيفة المنهجية للفرض).
  • لذا الفرض ليس مجرد تخمين أو تفسير مؤقت بل باعتماده على الخيال فهو يعبر عن العبقرية العلمية.

رابعاً: شروط الفرض في المنهج المعاصر:

  1. يجب أن تتم صياغة الفرص بصورة تجعله قابل للتصديق أو التكذيب بواسطة الملاحظة والتجربة وإلا أن يكون قابل للتحقق منه بواسطة طرق ضبط تجريبية.
  2. يحدد الفرض علاقة محددة بين متغيرين أو أكثر بحيث يمكن التحقق منها.
  3. يجب أن يترتب عليه مقارنات تقبل الاختبار باستخدام المعطيات الحسية المتاحة.

خامساً: خصائص الفرض في المنهج العلمي المعاصر:

1- تشير بعض الفروض الصورية إلى موجودات لا تخضع للإدراك الحسي المباشر مثل الطاقة والإلكترونات لأن الفرض لا يقوم على الملاحظة المباشرة فحسب بل على فروض ونظريات سابقة.

مثال الافتراض أن للهواء وزن وضغط هو استدلال من نظرية سابقة أن للماء ضغط ووزن.

2- لا يتم التحقق من صحة الفرض تجريبياً بطريقة مباشرة بل يتم التحقق من الفرض بطريقة غير مباشرة عن طريق التحقق من صحة النتائج المترتبة عليه. فلو صح أن للهواء وزن فان عمود الزئبق في البارومتر سوف يرتفع إلى مستوى 76 سم 3 عند مستوى سطح البحر.

3- لا يفسر الفرض ظاهرة مفردة دائماً وإنما يفسر عدد من القوانين العلمية السابقة أو عدد من القروض التي تم وضعها على أساس الخبرة الحسية فالفرض ليس صوريا خالصا لأنه مستمد من قوانين سابقة خضعت للملاحظة والتجربة.

4- القابلية للتنفيذ والقابلية للتأييد هي معايير التمييز بين الفروض العلمية والفروض الغير علمية فلا
نكتفي بمعرفة أن هذه الفروض صادقة بل يجب التأكد من أنها قابلة للتنفيذ حسب قواعد المنطق.
مثال: القول بأن المطر لا يسقط في الواحات أبداً هذه قضية يمكن أن تتقبل للتفنيد، أما القول بأن أما السماء
تمطر أو لا تمطر في الصحراء فهي لا تقبل التفنيد لأنها صادقة بغض النظر عن حالة الطقس حسب قواعد
المنطق وهو إمكان صدق أحد البديلين.

سادساً: دور الفروض في المنهج العلمي المعاصر:

لا توجد خطوات مرتبة صارمة في كل العلوم والأزمنة وإنما هي خطوات استرشادية لا يخرج عن مجملها وخطوات البحث في المنهج العلمي المعاصر هي:

  1. صياغة ووضع الفروض لتفسير المشكلة التي تحتاج لتفسير.
  2. الاستدلال على ما يترتب على هذه القروض وصياغتها في صورة رمزية.
  3. التحقق من تلك النتائج عن طريق الملاحظة والتجربة.
  4. لا يستطيع العلماء اختبار كل عنصر من عناصر النظرية التي لا نهاية لها لذا ففروض ونظريات العلم دائما.
  5. محتملة ولا توصف بانها يقينية لأنها قد تتعارض مع الملاحظات المستقبلية للفرض.
  6. يتم صياغة الفرض عن طريق مقارنة الظاهرة موضع البحت بظواهر أخری.

مثال: نفترض أن الحجرة باردة لاحتمال أن النافذة مفتوحة لقوم باختيار القرض عن طريق غلق النافذة فإذا تبين أن النافذة مغلقة فإننا نستنتج كذب القرض ومن ثم نفرض فرض جديد أن الدفاية مغلقة وهكذا حتى نصل الفرض لا يمكن تكذيبه.

نموذج کارل همبل:

تعريفه: يعد نموذج عالم المنطق كارل هميل أكثر النماذج نجاحاً وانتشاراً وتأثيراً في العلوم الطبيعية والاجتماعية.

أهميته: تكمن أهمية نموذج هميل في تركيزه على هدفي التفسير والتقيؤ وهما من أهم أهداف العلم، بالإضافة إلى الهدف الثالث وهو الوصف، ويميز همبل بين نموذجين في التفسير هما (نموذج الاستدلال العقلي - الاستدلال الاستقرائي الاحتمالي).

التفسير المحكم:

  1. التفسير المحكم يتم في صورة تنبؤ محدد المعالم.
  2. ولكي يتم تفسير حدث ما تتم صياغته باعتباره نتيجة لحجة مشتقة من المقدمات.
  3. وهذا يتطلب وجود أحد القوانين العامة التي يندرج تحتها الحدث المراد تفسيره.
  4. لا يختلف الوصف الذي يقدمه هميل لتفسير الوقائع باختلاف الوقائع فيزيائية أو اجتماعية.

نموذج وليم هوو يل - کلود برنار:

عمل على تطوير المنهج الاستقرائي التجريبي إلى المنهج الفرضي الاستنباطي فيرى أن الفرض يأتي أولاً ثم اختباره عن طريق الملاحظة والتجربة يشاركه في ذلك.

برنار الذی يری، خطوات المنهج الفرضي هي:

  1. الفرض (الفكرة) سبق من التجريب.
  2. استنباط النتائج من الفرض.
  3. الملاحظة والتجربة للتحقق من صحة النتائج المستنبطة.
  4. فإذا أيدته التجربة يتم التسليم به مؤقتا وإلا يتم إلغاؤها والبحث عن فروض جديدة.

ملحوظة: اهم ما يميز هذا المنهج هو الجمع بين الاستقراء والاستنباط في مركَب واحد.