الوحدة الفنية
الوحدة العضوية أو الوحدة الفنية هي:
التي تجعل القصيدة بناءً متكاملاً يشد بعضه بعضاً بحيث لا تستطيع أن تزيد عليه أتنقص منه شيء وإلا اختل هذا البناء ولحقه التشويه وتتوافر في القصيدة إذا توافرت هذه العناصر الثلاثة:
أولاً: وحدة الموضوع:
ينبغي أن تعالج الأبيات موضوعاً واحداً وتحقيقاً لذلك يجب أن يكون كل بيت يحمل معنى يضئ جانباً من جوانب الموضوع الذي يعالجه الشاعر في قصيدته.
فإذا نظرت إلى أبيات الشابي تجد هذه المعاني والأفكار تدور حول موضوع واحد هو عدم الاستسلام لعقبات الحياة.
ثانياً: وحدة الجو النفسي:
- ينبغي أن تكون العواطف والانفعالات والمشاعر مترابطة في موقف شعوري واحد خال من التناقض بين المشاعر. فتنوع المشاعر مباح ولكن لابد أن تأتى المشاعر متجانسة متكاملة.
- فإذا نظرت إلى أبيات الشابي تجد الموقف الشعوري الواحد هو التحدي الذي تتنوع فيه المشاعر ما بين الإحساس بالألم وعدم الاستسلام وما بين التفاؤل والأمل في فجر جميل آتٍ.
ثالثاً: تسلسل الأفكار وترابطها:
- ينبغي أن تؤدى كل فكرة جزئية وظيفتها في بناء التجربة ويكون الانتقال من فكرة إلى أخرى نتيجة طبيعية لا فجائية بحيث يصعب على القارئ حذف بيت من مكانه أو إجراء تعديل في ترتيب الأبيات.
- فإذا نظرنا إلى أبيات الشابي تجد أنه أعلن التحدي (سأعيش رغم الداء والأعداء) ثم طبق ذلك عملياً فقال هذه الأفعال المضارعة (أرنو – ألمح – أسير – أقول -....) ثم أنتقل إلى التهديد لعدوه فالحياة فقال (فاهدم فؤادي ما استطعت ...)
التحليل البلاغي للأبيات:
سأعيش رغم الداء والأعداء ***** كالنسر فوق القمة الشماء
- استخدم السين للدلالة على الأمل في المستقبل.
- وقال سأعيش وهي أدق من سأحيا لأن العيش هو ممارسة الحياة على نحو أفضل.
- "رغم" التحدي وعدم الاستسلام.
- "الداء والأعداء" جناس ناقص يعطى جرساً موسيقياً وكذلك التصريع بين "الأعداء والشماء".
- "كالنسر" تشبيه موحى بالعلو والحرية ووضوح الرؤية والتعالي على الواقع المر.
أرنو إلى الشمس المضيئة هازئاً ***** بالسحب والأمطار والأنواء
لا ألمح الظل الكئيب ولا أرى ***** ما في قرار الهوة السوداء
وللشاعر موقفان:
1- التطلع إلى الشمس المضيئة ككناية عن الأمل والاستهزاء بالسحب والأمطار والأنوار ككناية عن المصائب والعقبات واستخدم فيها العطف للتنوع والجمع للكثرة.
2- عدم الالتفات إلى كآبة الحياة وأحزانها فيقوله [الظل الكئيب- الهوة السوداء]
3- وكان الشاعر دقيقاً في استخدام الفعل (ألمح) مع (الظل الكئيب) و (أرى) مع (الهوة السوداء).
4- وتأتى فائدة وصف الظل بالكئيب لبيان التعب النفسي الذي لا يستسلم له وكذلك وصف (الهوة بالسوداء) لبيان عمقها فيباطن الأرض.
وأقول للقدر الذي لا ينثني ***** عن حرب آمالي بكل بلاء
لا يطفئ اللهب المؤجج فيدمى ***** هوج الأسى وعواطف الأرزاء
فاهدم فؤادي ما استطعت فإنه ***** سيكون مثل الصخرة الصماء
"وأقول للقدر" استعارة مكنية ولم يوفق الشاعر في كلمة " القدر " لأن الإنسان مهما أوتي من قوة لابد أن يقهره القدر والأولى أن يقول (وأقول للظلم).
(لا ينثني عن حرب آمالي) استعارة مكنية فيها تشخيص للقدر والآمال والمضارع فيها يوحى بالتجدد والاستمرار.
(بكل بلاء) العموم والشمول.
(هوج الأسى وعواطف الأرزاء) شبه الأسى بالرياح الشديدة والمصائب " الأرزاء" بالعواصف والبيت فيه تقديم للمفعول به (اللهب) على الفاعل (هوج).
(فاهدم فؤادي) إنشائي أمر للتهديد والتحدي واستعارة مكنية ثم رشحها بالتشبيه المجمل فيقوله (مثل الصخرة الصماء).
لا يعرف الشكوى الذليلة والبكا ***** وضراعة الأطفال والضعفاء
ويعيش كالجبار يرنو دائماً ***** للفجر للفجر الجميل النائي
- ورسم الشاعر صورة ممتدة للقلب بدأها (باهدم فؤادي) ثم (مثل الصخرة الصماء) (لا يعرف الشكوى) ثم (يعيش) ثم (كالجبار)
- (يدنوا دائماً) فيتتابع رائع لجوانب هذه الصورة ختم هذا التتابع بالأمل الذي كرره مرتين ووصفه بالجمال وإن كان بعيداً (للفجر للفجر الجميل النائي).