العلم في الإسلام

الإسلام يشمل النشاط الإنساني كافة:

لا يجوز أن نفهم العلم في الإسلام على أنه يَعني فقط العلم بأحكامه وآدابه، وأنه لا شأن للإسلام بالعلم الكوني أو العلم المادي، فإن مثل هذا الفهم خطأ؛ ذلك أن الإسلام جاء شاملاً لضروب النشاط الإنساني كافة، ومنها البحث الكوني. وقد أمر الإنسان بتعمير هذا الكون المسخر له، وذلك يَعني أن هذا الكون المشاهد خاضع لإدراكه وبحثه وأن ظواهره ليست بالشيء المبهم الغامض الذي لا يُفسر، وأن بمقدوره الاستفادة من الكون واستغلال خيراته على أوسع نطاق لتأمين حياته ورفاهيتها، يقول تعالى: {وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالْنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالْنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} ويقول تعالى: {وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مِّنْهُ}.

الإسلام يقر المنهج العلمي:

وتوجيه القرآن في هذا الصدد هو تأكيد لروح المنهج العلمي الصحيح، الذي يدفع الإنسان إلى محاولة استكشاف ما هو مجهول من هذا الكون، وظواهره على أساس من الثقة بقدرة الإنسان، وبالعلم في مواجهة الطبيعة.

الرسول - صلى الله عليه وسلم - يضرب أروع مثل في المشورة:

ومما له دلالة على أن العلم في الإسلام غير محدود بحد معين، قول الرسول

( صلى الله عليه وسلم ): "أنتم أعلم بشئون دنياكم" وهذا مما يفتح الباب واسعًا أمام العقل؛ ليستنبط من العلوم ما لا حصر له ومنها ما يتعلق بشئون السياسة والاقتصاد والاجتماع وغيرها، مما لم يرد فيه نص، وتأمل المعنى في قول الإمام الرازي في هذا الصدد عند تفسيره لقول الله تعالى: {وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ}، وقد نطقت أحاديث كثيرة بأن الرسول كان كثير المشاورة لأصحابه، ومنها حديث أبي هريرة: "ما رأيت أحدًا قط كان أكثر مشورة لأصحابه من رسول الله(صلى الله عليه وسلم )"، وأصبحت المشاورة قاعدة شرعية، ولذلك قال الحسن و سفيان بن عيينة: "إنما أُمر رسول الله (صلى الله عليه وسلم ) بذلك؛ ليقتدي به غيره في المشاورة، ويصير سنة في أمته، ومع أن الرسول (صلى الله عليه وسلم )كان أكمل الناس عقلاً، إلا أن علوم الخلق لا متناهية، فلا يبعد أن يخطر ببال إنسان ما لم يخطر على بال إنسان آخر من وجوه المصالح، ولا سيما فيما يفعل من أمور الدنيا، فقد قال (صلى الله عليه وسلم ): "أنتم أعلم بشئون دنياكم" ولذلك أيضا قال: "ما تشاور قوم قط إلا هدوا لأرشد أمرهم"، ومعنى هذا أن مصالح الناس كثيرة ومتشعبة، ولا يمكن تحديدها ، وتختلف من زمان إلى زمان ، ومن مكان إلى مكان.

الإسلام لا يقف أمام العقل:

لا حد ـ إذن ـ في الإسلام لما يمكن أن يستنبطه العقل البشري من أنواع العلوم التي تتعلق بمصالح الناس المتغيرة من زمان إلى زمان، ومن مكان إلى مكان، وهذا هو الذي دفع فقهاء الإسلام إلى اعتبار الصناعات مثلا فروض كفاية، والصناعات تقوم على أساس العلم المادي فعلوم مثل الطبيعة والكيمياء والحياة والطب والهندسة والزراعة وغيرها لازمة للمجتمع ودراستها عبادة لله تعالى، وهي أيضًا فروض كفاية، وقد قال بعض الفقهاء أيضًا ـ وهذا يدل على عمق النظرة ـ : "إنه يتعين على ولي الأمر أن يدبر الصناعات اللازمة للمسلمين، والتي يسبب فقدان أي منها حرجًا للمسلمين، فإذا لم يفعل يكون آثما؛ لأنه يوقع المسلمين في الحرج".

وحسبنا أن نشير في هذا الصدد إلى ما يقوله الإمام الغزالي منذ تسعة قرون في كتاب (إحياء علوم الدين) تحت عنوان (بيان العلم الذي هو فرض كفاية): "أما فرض الكفاية من (العلوم المحمودة) فهو كل علم لا يُستغنى عنه في قوام أمور الدنيا كالطب إذ هو ضروري في حاجة بقاء الأبدان، وكالحساب فإنه ضروري في المعاملات وقسمة الوصايا والمواريث وغيرهما. وهذه هي العلوم التي لو خلا البلد ممن يقوم بها لحَرِج. فلا يتعجب من قولنا: إن الطب والحساب من فروض الكفايات، فإن أصول الصناعات أيضًا من فروض الكفايات كالفلاحة والحياكة .... وغيرهما".

نخلص إلى أنه ليس صحيحًا أن العلم الذي يدعو إليه الإسلام هو العلم الديني فقط، وإنما هو كل علم يدفع الجهل، سواء في مجال الأمور الدينية أو الدنيوية، ومن ثَمَّ لا تعارض بين الدين والعلم في الإسلام بحال من الأحوال.

العالم الأكبر والعالم الأصغر:

وإذا كان البحث العلمي بمفهومه المعاصر ينحصر في مجالين هما: العالم الأكبر والعالم الأصغر، فقد نبهنا القرآن الكريم إلى ذلك في قوله تعالى:] سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق أو لم يكف بربك أنه على كل شيء شهيد فالبحث في الآفاق، والبحث في الأنفس ينتهيان إلى اكتشاف قوانين الخلق، ومعرفة الخالق.

اللغويات:

ضروب: أنواع م ضرب - المشاهد: المرئي - غَامِض: مُبْهَم.

- يستنبط: يستنتج، يبتكر- لا حصر له: لا نهاية له - لاسيما: خاصة.

- بمقدوره: باستطاعته × عجز - نطاق: مجال، ميدان ج نُطُق - حد: نهاية.

- حَرجَ: حيرة وضيق ومشقة - قوام: عماد وأساس - حسْبُنا: يكفينا.

- الصدد: الاتجاه، الناحية، الخصوص- هُدُوا: وفقهم الله × ضلوا.

- الحياكة: الخياطة - كافة: قاطبة (لا تثنى ولا تجمع) - يدفع الجهل: يمحو ويزيل - المبهم: الغامض.

- مقابل المادي: الروحي أو المعنوي - المسخر: المذلل المهيأ ×المستعصي - رفاهيتها: رخاؤها.

– دفع الفقهاء: شجعهم × ثبط - مقابل لامتناهية: محدودة - يرد نص: يأتي ×يصدر.

- لأرشد أمرهم: لخير أمورهم وأفضلها وأكملها - العلم الكوني: هو العلم الذي يبحث في الكون وأسراره.

- العلم المادي: الذي يبحث عن المادة وتكويناتها ونتائجها وما يحدث لها من تغيير.

- فرض العين: وهو المفروض على كل إنسان مثل: الصلاة والصوم.

- فرض الكفاية: فرض على المجتمع، إذا قام به فرد أو أكثر سد عن الآخرين.