قيم انسانية
يرفع الإسلام من شأن الفرد اجتماعيًا وعقليًا وروحيًا، وهو رفع من شأنه أن يسمو بإنسانيته.
روحياً: إذ حرره من الشرك وعبادة القوى الطبيعية، وأسقط عن كاهله نير الخرافات.
عقلياً: وبدلاً من أن يشعر أنه مسخر لعوامل الطبيعة تتقاذفه كما تهوى، نبَّهه إلى أنها مسخرة له ولمنفعته، ودعاه لأن يستخدم في معرفة قوانينها عقله ويعمل فكره. وبذلك فك القيود عن روح الإنسان وعقله جميعا، وهيأه لحياة روحية وعقلية سامية.
اجتماعياً: كما هيأه لحياة اجتماعية عادلة، حياة تقوم على الخير والبر والتعاون ـ تعاون الرجل مع المرأة في الأسرة الصالحة، وتعاون الرجل مع أخيه في المجتمع الرشيد.
مظاهر سمو الإنسان و تكريمه على سائر المخلوقات : ودائما يلفت الذكر الحكيم إلى سمو الإنسان ، وأنه يفضل عن سائر المخلوقات ، فقد خُلق في أحسن تقويم، وسوَّى وعدَّل وركَّب في أروع صورة، ووهب من الخواص الذهنية ما يحيل به كل عنصر في الطبيعة إلى خدمته، {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً} ،ويذكر القرآن في غير موضع أن الإنسان خليفة في الأرض{وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً}،{وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلاَئِفَ الأَرْضِ}، فالإنسان خليفة في الأرض، خلقه ؛ ليسودها، ويُخضع كل ما في الوجود لسيطرته.
موقف الإسلام من الحرية:
وقد مضى الإسلام يعتد بحرية الإنسان وكرامته وحقوقه الإنسانية إلى أقصى الحدود، وقد جاء والاسترقاق راسخ متأصل في جميع الأمم ، فدعا إلى تحرير العبيد وتخليصهم من ذل الرق، ورغَّب في ذلك ترغيبًا واسعًا، فانبرى كثير من الصحابة ـ وعلى رأسهم أبو بكر الصديق ـ يفكون رقاب الرقيق بشرائهم ثم عتقهم وتحريرهم، وقد جعل الإسلام هذا التحرير تكفيرًا للذنوب مهما كبرت، وأعطى للعبد الحق الكامل أن يكاتب مولاه، أو بعبارة أخرى أن يسترد حريته نظير قَدر من المال يكسبه بعرق جبينه{وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً وَآتُوهُم مِّن مَّالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ}، وقد حرَّم الإسلام بيع الأمَة إذا استولدها مولاها، حتى إذا مات رُدَّت إليها حريتها، وكانوا في الجاهلية يسترقون أبناءهم من الإماء ، فأزال ذلك الإسلام وجعلهم أحرارا كآبائهم.
حقوق الإنسان: ووسع الإسلام حقوق الإنسان واحترامها في الدين، إذ نصَّت آية كريمة على أن {لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ}، فالناس لا يكرهون على الدخول في الإسلام، بل يتركون أحرارًا وما اختاروا لأنفسهم، وبذلك يضرب الإسلام أروع مثل للتسامح الديني {وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لآمَنَ مَن فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ}،
الإسلام دين السلام:
وحقًا اضطر الرسول إلى امتشاق الحسام، ولكن للدفاع عن دين الله لا للعدوان {وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبِّ الْمُعْتَدِينَ}، وقد دعا الذكر الحكيم طويلاً إلى السلم والسلام] يأيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين [ {وَإِن جَنَحُواْ لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ}، لذلك لا نعجب إذا كانت تحية الإسلام هي " السلام عليكم".
فالإسلام دين سلام للبشرية يريد أن ترفرف عليها ألوية الأمن والطمأنينة، ومن تتمة ذلك ما وضعه من قوانين في معاملة الأمم المغلوبة سلمًا وحربًا، فقد أوجب الرسول على المسلمين في حروبهم ألا يقتلوا شيخًا ولا طفلاً ولا امرأة، وعهده لنصارى نجران من أروع الأمثلة على حسن المعاملة لأهل الذمة فقد أمر ألا تمسَّ كنائسهم ومعابدهم ، وأن تترك لهم الحرية في ممارسة عباداتهم ومضى الخلفاء الراشدون من بعده يقتدون به في معاملة أهل الذمة معاملة تقوم على البر بهم والعطف عليهم، ومن خير ما يصور هذه الروح عهد (عمر بن الخطاب) لأهل بيت المقدس، فقد جاء فيه أنه " أعطاهم أمانًا لأنفسهم وأموالهم وكنائسهم وصلبانهم.. لا تسكن كنائسهم ولا تُهدم ولا يُنقص منها ولا من حيزها ولا من صليبهم ولا من شيء من أموالهم ولا يُكرهون على دينهم ولا يُضار منهم أحد"، وكان هذا العهد إمامًا لكل العهود التي عُقدت مع نصارى الشام وغيرهم.
سبب انتشار الإسلام:
والحق أن تعاليم الإسلام السمحة لا السيف هي التي فتحت الشام ومصر إلى الأندلس، والعراق إلى خراسان، والهند، فقد كفل للناس حريتهم لا لأتباعه وحدهم، بل لكل من عاشوا في ظلاله ـ مسلمين وغير مسلمين ـ وكأنه أراد وحدة النوع الإنساني، وحدة يعمها العدل، والرخاء، والسلام.
اللغويات:
- تَهْوى: تحب - هيأه: أعده - سُوِّى: قوّم وعدل.
- غير موضع: أكثر من موضع - الاسترقاق: العبودية - الرقيق: العبيد للمفرد والجمع.
- يعتدّ: يهتم × يغفل - عتْقهم: تحريرهم - انبرى: تصدّى.
- الأمَة: العبدة ج إماء - مولاها: سيدها - جنحوا: مالوا.
- ممارسة: مزاولة × ترك - إماماً: أي هاديا ج أئمة - عهد: ميثاق.
– مولاه: سيده ج موال - سمحة: كريمة ج سماح - راسخ: ثابت ×مهتز.
- أتباع: أصحاب تبع - مسخر: مُذَلَّل، خاضع × محرر - ترفرف: تتحرك.
- رغَّب في: حبب × رغَّب عَنْ، كرّه - يفكون: يعتقون × يستعبدون - استولدها : أنجب منها ولدًا.
- ألوية: م لواء وهو العَلَم والراية - الكاهل: ما بين كتفي الإنسان ج كواهل - سمو: علو.
- الشِّرْك: اعتقاد تعدد الآلهة × التوحيد - الرشيد: الناضج حسن التقدير -نظير: مقابل ج نظراء.
– طبيعة: ج طبائع – يحيل: يحول (حول) - الخواص: م خاصة وخاص وهي الصفة المميزة.
- عُدِّل: جُعِلَ معتدل القامة متناسب الخلقة - أقْصَى: أبْعد ومؤنَّثه (قُصوَى) × أدنى.
- نير: خشبة توضع على عنق الثور، ج أَنيار، نِيران - امتشاق الحسام: تقلّد السيف استعدادًا للحرب.
- الحيز: ما انضم إلى الدار من حديقة ومرافق - كفل: ضمن السمحة: الكريمة والجمع سماح.
- يكاتب مولاه: المكاتبة عقد يتفق فيه المالك مع عبده أن يدفع له قدرا من المال في مقابل تحريره من العبودية.
- أهل الذمة: هم أهل الكتاب من اليهود والنصارى. والذمة هي العهد والأمان وسمى أهل الذمة بذلك لدخولهم في عهد المسلمين وأمانهم.