شباب تسامى للعلا (شعر) للسموأل

الأبيات:

يعد السموأل بن عادياء صاحب قصة الوفاء المشهورة وصاحب الحصن المنيع المسمى بالأبلق، من أشهر شعراء اليهود قبل الإسلام في بلاد العرب ومن أكثرهم تعبيراً عن التمسك بالقيم الأخلاقية والدينية، وقد اختلف ال مؤرخون والباحثون في نسبه، فمنهم من قال: إنه عربي وقال بعضهم: إنه من الأزد ومنهم من قال أن أمه من غسان الفرج ولعل الكثير من شهرته يعود الى قصة الوفاء التي تنسب إليه وملخص هذه القصة: أن امرأ القيس الشاعر المشهور، قد أودع لدى السموأل ماله وأدرعه وبعض بنيه، وفر هارباً الى بلاد الشام ثم الى قيصر، فلما علم المنذر بن ماء السماء بهروبه وبوديعته التي أودعها السموأل وجه الحارث بن ظالم الى السموأل ليأخذ وديعة امرئ القيس، وكان للسموأل ولد قد خرج الى الصيد، فلما رجع الولد أخذه الحارض رهينة وهدد السموأل بذبحه ما لم يسلمه وديعة امرئ القيس، فأبى السموأل فما كان من الحارث إلا أن ذبح ابنه، فصار السموأل مضرب المثل في الوفاء، وبهذا تكون هذه القصة قد أكسبت السموأل شهرة كبيرة، وتعتبر قصيدته (اللامية) التي قالها في هذه المناسبة أجود ما قال من شعر.

مناسبة النص:

يروي أن السموأل خطب امرأة فرفضته وأنكرت عليه بعض أشياء، فخطبها أخر يظهر من قبيلتي عامر وسلول فقبلته ففاخرها السموأل بهذه القصيدة التي سنتناولها بالشرح والتحليل.

الأبيات:

1. المَرءُ لَم يُدنَـس مِنَ اللُؤمِ عِرضــــُهُ *** فَكُلُّ رِداءٍ يَرتَديهِ جَــــــميلُ


2- وَإِن هُوَ لَم يَحمِل عَلى النَفسِ ضَيمَها *** فَلَيسَ إِلى حُسنِ الثَناءِ سَبيلُ

3 - تـُعَــــيِّــرُنا أَنّا قــَليـلٌ عَـديدُنا *** فـَقـُــلتُ لَها إِنَّ الكِـرامَ قــَليـلٌ


4 - وَما قَـلَّ مَن كانَت بَقاياهُ مـِثلـَنا *** شَــــبابٌ تَســـامى لِلعُلا وَكُهولُ

5 - وَما ضـَـــرَّنا أَنّا قــَليـلٌ وَجارُنا *** عَـزيزٌ وَجـــــارُ الأَكثَرينَ ذَليلُ


6 - إِذا سـَيِّدٌ مِـنـّــا خـَـلا قامَ سـَــيِّدٌ *** قَـؤُولٌ لِما قـالَ الكِرامُ فـَعُولُ

7 - وَما أُخـــمِدَت نارٌ لَنا دونَ طارِقٍ *** وَلا ذَمَّـنـا في النازِلـــينَ نَزيلُ

8 - وَأَيّامُنا مَشـــــــــــهـورَةٌ في عَــدُوِّنا *** لَها غـُــرَرٌ مَعـلـومَةٌ وَحُجـولُ

9 - سـَــلي إِن جَهِلتِ الناسَ عَنّا وَعَنهُمُ *** فَلَيسَ سَـــــواءً عالِمٌ وَجَهولُ

شرح الأبيات:

(1 -2) يبدأ الشاعر بحكمة رائعة تؤكد على أن الإنسان لابد أن يكون كل عمل يعمله جميلاً نبيلاً ولكنه إن ترك النفس على هواها فقد ثناء الناس، وكان هدفاً للقدح والذم وموضوعاً للعار والشنار.

(3 - 4 -5) إن المرأة التي انحازت منا الى غيرنا، راحت تعيرنا بقلة العدد، وقد غاب عنها أن الكرام قلة، وأن الناس بأخلاقهم وأفعالهم لا بوفرة منهم، وهل يعد قليلاً من كان رجاله في تسام الى العلى شيباً وشباناً وهل تضر القلة متى كان الجار عزيزاً والجانب مصوناً وكم من قبيلة ذل جارها على وفرة عددها، وكثرة رجالها لنا حصن أمنع من جبل لحماية الجار وهو الأبلق الفرد الذي تمكنت أسسه من أعماق الأرض وناطحت أعاليه.

(6 -7) والسؤدد لنا نرد به كل قول يتبجح به الناس وهم لا يستطيعون أن يردوا لنا قولاً وإذا مات منا سيد جاء بعده سيد أخر يقول قول الكرام ويفعل أفعالهم، ونيراننا مشتعلة للضيوف لا تنطفئ أبداً نستقبلهم على الرحب والسعة ونحسن استقبالهم بحيث لا ندع سبيلاً الى ذمنا والحط من شأننا.

(8 -9) أما مواقعنا وانتصاراتنا فلها دوي في أذن كل عدو، ولها عند الجميع آيات معلمات، وقد تركت في حدود أسيافنا فلولاً لشدة ما قارعنا بها الدارعين في مغارب الأرض ومشارقها.

ثم ينهي قصيدته بتحدي لتلك المرأة التي جهلت مكانته ومكانة قبيلته أن تسأل وتقارن بين قومه والأقوام الأخرى، هنا ستدركين الحقيقة التي غابت عنك فلا يستوي العالم والجاهل إلا لدى أصحاب النظرة الضعيفة.

من اللمحات الفنية والجمالية:

تنتمي هذه القصيدة الى شعر الفخر، والفخر كما لا يخفى من ميزات البداءة في أكثره يرافق العصبية ويشتد باشتدادها والشاعر يتحدث فيه عن قومه، وعن صفاته وصفاتهم ويهدف فيه الى الاستعلاء والتباهي والسموأل في هذه القصيدة ينزع نزعة قبلية فيذوب في الكيان القبلي ويجعل كلامه على قومه ولا يفخر إلا باسم الجماعة والفخر في هذه القصيدة يدور حول: القوة والشرف وعزة النفس وصيانة الجار من الأذى والكرم والاباء ولا يخفى فخره بالمكان هذا المكان الذي كان يعتز به وبمالكيه وساكنيه حيث وجدناه يشدد في وصفه له على الرفعة والعظمة والثبات والصمود والتي ترمز كلها الى تمسك الانسان بالمكان وارتباطه به والمكان بتفاصيله وأوصافه رمز لثبات الشاعر فيه.

الجماليات:

- (إِذا المَرءُ لَم يُدنَس مِنَ اللُؤمِ عِرضـُهُ): استعارتان مكنيتان في الأولى: تصوير للؤم بقذارة تدنس العرض، وفي الثانية تصوير للعِرض بثوب أبيض نظيف يدنس، وسر الجمال الصورة: التجسيم. وتوحي الصورة بقبح اللؤم.

- (المَرءُ لَم يُدنَس مِنَ اللُؤمِ عِرضـُهُ): أسلوب قصر بتقديم الجار والمجرور (من اللؤم) على نائب الفاعل (عرضه) ؛ للتخصيص والتأكيد.

- (رداءٍ): استعارة تصريحية، حيث صور الشاعر كل خصلة حسنة يتحلى بها الإنسان برداء جميل يرتديه ثم حذف المشبه (الخصلة الحسنة) وصرح بالمشبه به (الرداء الجميل)، وسر جمالها: التجسيم.

- (يدنس، جميل): محسن بديعي / طباق يبرز المعنى ويوضحه ويقويه بالتضاد.

- (رداء - يرتديه): محسن بديعي / جناس اشتقاقي ناقص يعطي جرساً موسيقياً يطرب الأذن.

- (إذا المَرءُ لَم يُدنَس.. فَكُلُّ رِداءٍ يَرتَديهِ جَـميلُ): أسلوب شرط يفيد التقرير والتأكيد أي التأكيد على حدوث الجواب (فَكُلُّ رِداءٍ يَرتَديهِ) إن تحقق الشرط (المَرءُ لَم يُدنَس).

-الأسلوب في البيت الأول خبري للتقرير -ويجرى مجرى الحكمة.

- (وإن هو لم يحمل على النفس ضيمها): كناية عن الضعف والذل والهوان، وسر جمال الكناية: الإتيان بالمعنى مصحوباً بالدليل عليه في إيجاز وتجسيم.

- (يحمل على النفس ضيمها): استعارة مكنية فيها تجسيم للضيم والظلم بشيء مادي يحمل ويرفع، وتوحي الصورة بقبح الذل والخضوع والتنفير منه.

- (يحمل على النفس ضيمها): أسلوب قصر بتقديم الجار والمجرور (على النفس) على المفعول به (ضيمها)؛ للتخصيص والتأكيد.

-استخدام الفعل المضارع (يحمل) للتجدد والاستمرار واستحضار الصورة.

- (فليس إلى حسن الثناء سبيل): نتيجة مترتبة على الشرط قبلها (إن هو لم يحمل..)، وأيضاً أسلوب خبري، نوعه (نفي)؛ للاستبعاد حيث يستبعد الشاعر مدح الناس لمن لا يتحمل الظلم ويواجهه.

- (ضيمها - الثناء): محسن بديعي / طباق يبرز المعنى ويوضحه ويقويه بالتضاد.

-الأسلوب في البيت الثاني خبري للتقرير ويجرى أيضاً مجرى الحكمة.

- (وما قل من كانت بقاياه مثلنا): كناية عن العزة والمنعة والشرف فالقبائل الأخرى تهاب قبيلته على الرغم من قلة عددها، وسر جمال الكناية: الإتيان بالمعنى مصحوباً بالدليل عليه في إيجاز وتجسيم، وهو أسلوب خبري فيه فخر وتأكيد على استبعاد أن توصف قبيلته بقلة العدد.

- (شَـبابٌ - كُهولُ): محسن بديعي / طباق يبرز المعنى ويوضحه ويقويه بالتضاد.

- (شَـبابٌ - كُهولُ): جاءتا جمعاً للكثرة وللعموم والشمول ونكرتين للتعظيم أيضاً.

- (كُهولُ): إيجاز بالحذف، وتقديره: " كهول تساموا للعلا ".

- (أَنّا قــَليـلٌ وَجارُنا عَـزيزٌ وَجارُ الأَكثَرينَ ذَليلُ): محسن بديعي / مقابلة يبرز المعنى ويوضحه ويقويه بالتضاد.

- (جارُنا عَـزيزٌ): كناية عن صفة القوة لمن يجاور قبيلة الشاعر القوية ويستظل بحمايتها.

- (جار الأكثرين ذليل): كناية عن صفة الضعف عند الأعداء على الرغم من كثرتهم.

- (قــَليـلٌ - ذَليلُ): محسن بديعي / جناس ناقص يعطي جرساً موسيقياً وإيقاعاً محبباً للأذن.

- (إذا سيد منا خلا قام سيد): كناية عن توارث السيادة في قبيلته، وسر جمال الكناية: الإتيان بالمعنى مصحوباً بالدليل عليه في إيجاز وتجسيم.

-جاءت " سيد " نكرة للتعظيم، وكرر الشاعر كلمة (سيد)؛ للتأكيد على تميز كل أفراد القبيلة فكلهم سادة.

- (خلا - قام): محسن بديعي / طباق يبرز المعنى ويوضحه ويقويه بالتضاد.

- (قَـؤُولٌ لِما قـالَ الكِرامُ فـَــعُولُ): كناية عن كرم أقوالهم وأفعالهم، وسر جمال الكناية: الإتيان بالمعنى مصحوباً بالدليل عليه في إيجاز وتجسيم.

- (قَـؤُولٌ - فـَعُولُ): صيغتان للمبالغة؛ للدلالة على الكثرة في القول والفعل، والجمع بينهما يدل على أنهم يقرنون (يجمعون) القول بالعمل.

- (قـالَ الكِرامُ): إيجاز بحذف المفعول به؛ يفيد العموم والشمول.

- (ما أخمدت نار لنا دون طارق): كناية عن الكرم والفخر بأنفسهم، وسر جمال الكناية: الإتيان بالمعنى مصحوباً بالدليل عليه في إيجاز وتجسيم.

- (ما أخمدت نار)): بناء الفعل " أخمدت " للمجهول؛ إيجاز بالحذف.

- (طارق): نكرة للعموم والشمول.

- (وما ذمنا في النازلين نزيل): كناية عن حسن الضيافة، وأسلوب قصر بتقديم الجار والمجرور (في النازلين)؛ للتخصيص والتوكيد.

- (أيامنا مشهورة): استعارة مكنية حيث صور الشاعر الأيام بشخص مشهور، وسر الجمال الصورة: التشخيص.

- (أيامنا): مجاز مرسل عن الحروب، علاقته: الظرفية الزمانية، حيث عبر بـ(الأيام) وقصد حروبهم ومعاركهم مع الأعداء، وسر جمال المجاز: الدقة والإيجاز، وجاءت جمعاً؛ لتدل على الكثرة.

- (مشهورة - معلومة): إطناب بالترادف يؤكد ويقوي المعنى.

- (أيامنا.. لها غرر وحجول): استعارة مكنية حيث شبه الشاعر الحروب والانتصارات المشهورة الواضحة بخيل غر (أي بيضاء الجبهة) ومحجلة (أي بيضاء القوائم) ، وسر الجمال الصورة: التجسيم والتوضيح؛ فمعاركهم وانتصاراتهم واضحة لا تخفى على العيان

- (سـَلي): أسلوب إنشائي طلبي / أمر، غرضه: النصح والحث والالتماس.

- (إِن جَهِلتِ): أسلوب شرط يفيد الشك هنا؛ لأن الشاعر دلل على قوة قبيلته وانتصاراتها وأيامها المعروفة المشهورة عند الأعداء قبل الحلفاء، فكيف تجهلها من عيرته بضعف قبيلته، وفيه إيجاز بحذف جواب الشرط، والتقدير: (إن جهلت حالنا وحال القبائل).

- (إِن جَهِلتِ): إطناب بالاعتراض للاحتراس.

- (فَلَيسَ سَواءً عالِمٌ وَجَهولُ): أسلوب خبري منفي، غرضه: الاستبعاد، حيث يستبعد الشاعر تساوي العالم والجهول.

- (عالِمٌ): نكرة للتعظيم.

- (جَهولُ): نكرة للتحقير.

- (عالِمٌ - جَهولُ): محسن بديعي / طباق يبرز المعنى ويوضحه ويقويه بالتضاد.

التعليق على النص:

خلو القصيدة من الوقوف على الأطلال:

لأنه كتب القصيدة في المرأة التي رفضته، ولهذا جاء موقفه موقف رجولة وكبرياء، وهذا الموقف يتنافى كلياً والبكاء على الأطلال فالباكي على الأطلال يظهر دائماً ضعيفاً كئيباً حزيناً، يرثي واقعه وواقع المكان المهجور فلا يعقل أن يقف السموأل على الأطلال وهو في حالة من الفخر والزهو، متحدياً امرأة رفضته وصدته.

الوحدة الموضوعية: إن جميع أبيات القصيدة تدور في غرض واحد هو الفخر، رغم وجود وحدة البيت ونلاحظ أننا يمكن انتزاع بيت أو أكثر وجعله مثلاً او حكمة إن وحدة الموضوع التي تميز هذه القصيدة جعلت الأبيات وحدة واحدة مترابطة الصور والأفكار في سرد فخري متواصل وهكذا تلتقي الوحدة الموضوعية بالوحدة النفسية ولكننا نلاحظ أن الطابع العقلي يسيطر على الطابع العاطفي ولهذا نجد بعض أبيات القصيدة قد اقتربت من الحكمة ولأجل هذا وضعها ابن طباطيا في كتابه عيار العشر في الأشعار المحكمة والتي قدم لها بقوله: إنها المتقنة المستوفاة المعاني الحسنة الوصف السلسة الألفاظ التي خرجت خروج النثر سهولة وانتظاماً فلا استكراه في قوافيها ولا تكلف في معانيها ولا عي لأصحابها فيها.

خلو القصيدة من التصريع: التصريع اتفاق نهاية الشطرين في البيت الأول يكثر وروده في المطالع ويعتبر من العناصر الايقاعية وأسلوباً لافتاً للمستمع ومن الباحثين من يظن أن لامية السموأل ناقصة، وأن مطلعها المصرع مفقود.

أما التوازن الصوتي بتكرار ثلاث صيغ على وزن فعيل في البيت الخامس (قليل عزيز ذليل) فقد زاد من الايقاعية الموسيقية وجعل البيت أكثر تأثيراً في النفس.

العاطفة المسيطرة على الشاعر هي الفخر والاعتزاز بنفسه وقومه.

اهم خصائص أسلوب الشاعر:

  • وضوح المعنى مع قلة التأنق في ترتيب المعاني والفكر.
  • جودة استعمال الألفاظ في معانيها الموضوعة لها.
  • جمال الخيال وروعة التصوير قلة المحسنات البديعية الايجاز في اللفظ والقصد في استعمال المجاز.

مصادر الموسيقى في النص:

  • الموسيقا الخارجية: وتتمثل في وحدة الوزن والقافية.
  • الموسيقا الداخلية: وتنقسم الى نوعين موسيقا ظاهرة وتتمثل في المحسنات البديعية غير المتكلفة وموسيقا خفية تتمثل في صدق العاطفة وحسن اختيار الألفاظ وروعة التصوير وترابط الأفكار.

السمات الشخصية للشاعر من خلال النص:

1. ذو شمم وإباء ونفس أبية.

2. دائم الاعتزاز بنفسه وقومه.

3. ضرب به المثل في الوفاء.