قيم الحياة الزوجية (نثر) لأمامة بنت الحارث

التمهيد:

كانت أمامة بنت الحارث التغلبية من فضليات النساء في العرب، ولها حكم مشهورة في الأخلاق والمواعظ.. لما تزوج الحارث بن عمرو ملك كندة ابنتها أم إياس بنت عوف، وأرادوا أن يحملوها إلى زوجها أوصتها أمها في ليلة الزفاف إلى زوجها بوصية قيمة تقول فيها:

الفقرة الأولى من الوصية:

(أي بنية أنّ الوصية لو تركت لفضل أدب تركت لذلك منك. ولكنها تذكرة للغافل ومعونة للعاقل، ولو أنّ امرأة استغنت عن الزوج لغنى أبويها وشدة حاجتهما إليها كنت أغنى الناس عنه، ولكن النساء للرجال خلقن، ولهن خلق الرجال).

شرح الفقرة:

ابنتي الغالية إن الوصية لو كانت تقال لغرض الأدب فأنت لستِ بحاجة إليها؛ فحسن أدبك معروف ولكن الوصية تذكرة لكل من ينسى وعون لكل إنسان عاقل واعلمي أن زواجك ليس لفقر أبويك أو لحاجتهما الشديدة للمال، وإنما الزواج ضرورة اجتماعية وطبيعية خُلِقَ لها الرجال والنساء. ولا يمكن الاستغناء عنه ولو كان الأبوان ثريين مهما كانا في حاجة الى ابنتهما إن الزواج سنة الحياة.

س1: بم وصفت الأم ابنتها؟ لماذا بدأت بتلك المقدمة؟ وما عاطفتها تجاه ابنتها؟

وصفتها بالأدب وبيان حسن تربيتها وخلقها وذلك لكي تستميل ابنتها، وتهيئ ذهنها لقبول النصائح التي ستوجهها لها وتعمل بها حتى تسعد بحياتها المقبلة، وتحتل مكانة عالية في قلب زوجها.

عاطفة الأم: حب ابنتها والحرص على مصلحتها.

س2: ماذا أفاد التعبير بأسلوب الشرط (لو تركت)؟

أفاد أسلوب الشرط تهيئة نفس الابنة لتقبل النصيحة.

س3: ما فائدة التقديم في (للرجال خلقن، ولهن خلق الرجال)؟

أسلوب قصر بتقديم الجار والمجرور لإثارة الانتباه وتأكيد لقيمة الزواج.

اللمحات الفنية والجمالية:

- (أي بنية): أسلوب إنشائي - نداء - للتنبيه، واستخدام أداة النداء (أي) للقريب للدلالة على قربها من قلبها.

- (بنية): تصغيرها للتدليل وإظهار الحنان والعطف.

- (أنّ الوصية.): أسلوب مؤكد بإن.

- (تذكرة للغافل ومعونة للعاقل): محسن بديعي نوعه: سجع يعطي الكلام إيقاعاً موسيقياً.

- (الرجال - النساء)، (العاقل - الغافل)، (استغنت - حاجة): طباق يبرز المعنى ويوضحه.

- (أنّ الوصية لو تركت لفضل أدب تركت لذلك منك): كناية عن أدبها وحسن تربيتها.

ملاحظات:

هذا الجزء من الوصية هو المقدمة وقد وفقت فيه أمامة حيث استطاعت من خلال الألفاظ والحقائق والأساليب ان تستميل ابنتها وتهيئها لتقبل الوصية في رضا واقتناع.

بقية الأساليب: خبرية للتقرير وعرض الفكرة على أنها حقيقة لا تحتمل الكذب (للنصح والإرشاد).

جاءت الصور قليلة: لأن الوصية تعتمد على الإقناع العقلي لا العاطفي.

س: لماذا أكثرت الأم من الأساليب الخبرية؟

للإقناع والتأثير في نفس ابنتها.

الفقرة الثانية من الوصية:

(أي بنية إنك فارقت الجوّ الذي منه خرجت، وخلّفت العش الذي فيه درجت إلى وكر لم تعرفيه وقرين لم تألفيه، احفظي له خصالاً عشراً يكن لك ذخراً وذكراً).

الشرح:

ابنتي الغالية لقد تركت بيت أبيك الذي تربيت فيه على عادات معينة إلى بيت جديد لا تعرفين عنه شيئاً، وإلى زوج لم تتعودي على الحياة معه بعد وأنت الآن على أبواب حياة جديدة فإليكِ مني عشر نصائح استمسكي بها؛ لتضمني حياة زوجية سعيدة.

من اللمحات الفنية والجمالية:

س1: عبرت أمامة عن بيت الأب بالعش، وعن بيت الزوجية بالوكر. فما سر ذلك؟

وذلك لأن العش لا تستمر فيه الحياة إلا لفترة محدودة وكذلك مدة بقاء الابنة في بيت أبيها قصيرة.

وقد عبرت بيت الزوجية بالوكر لأن الطائر يستمر فيه مدة أطول وكذلك بيت الزوجية تبقى فيه الحياة وتستمر.

س2. اشرح التعبير التالي (العش الذي فيه درجت) (كوني له أمة يكن لك عبداً وشيكاً)؟

العش الذي فيه درجت: بيت أبيها الذي بدأت فيه خطواتها الأولى.

كوني له أمة يكن لك عبداً وشيكاً: السمع والطاعة للزوج في المقابل يسمع كلامها ويطيعها.

س3: لماذا جاءت (العش) معرفة؟ وجاءت (وكر) نكرة؟

جاءت بكلمة العش معرفة لأن بيت الأب معروف بالنسبة للابنة وجاء بـ وكر نكرة لأن بيت الزوج مجهول بالنسبة لها.
من مواطن الجمال:

وقد جاءت قليلة؛ لاعتماد الأم على الإقناع العقلي، ومن هذه الصور:

-(العش): استعارة تصريحية حيث شبهت البيت بالعش، وصرحت بالمشبه به (العش).

- (وكر): استعارة تصريحية حيث شبهت بيت الزوجية بالوكر.

- (يكن لك ذخراً): تشبيه للزوج بالمال المدخر.

- (فالتفقد لمواقع عينيه وأنفه): كناية عن الاهتمام بالنظافة وحسن المظهر.

- (فالتفقد لوقت منامه وطعامه): كناية عن الحرص على راحة الزوج.

- (تواتر الجوع ملهبة): تشبيه للجوع باللهب؛ ليوحي بشدة الألم.

- (وتنغيص النوم مغضبة): استعارة مكنية حيث شبهت النوم بماء ينغص (يكدر).

- (صدره): مجاز مرسل عن القلب علاقته: المحلية.

- (أي بنية): نداء للتنبيه، وقد تكرر لتأكيد حب الأم لابنتها.

- (احفظي): أمر للنصح والإرشاد.

- (لا تفشين): نهي للنصح والإرشاد.

- من أساليب التوكيد: " إنك فارقت - لا يشم منك إلا أطيب ريح - إن تواتر الجوع ملهبة ... " وقد أكثرت الكاتبة من هذه الأساليب لمزيد من الإقناع والتأثير على الابنة.

المحسنات البديعية:

أ. الطباق بين: (تفشين - سرا)، (الفرح - الكآبة).

ب. السجع في: (خرجت - درجت)، (لم تعرفيه - لم تألفيه)، (القناعة - الطاعة) إلى آخر الوصية. والسجع هنا غير متكلف.

ج. الجناس الناقص في: (تعرفيه - تألفيه)، (التقدير - التدبير).

س: ما معنى السجع غير متكلف؟

معنى السجع غير متكلف: أي أن استخدامه لضرورة بلاغية وليس لإثارة العاطفة.

الفقرة الثالثة من الوصية:

- أما الثالثة والرابعة: فالتفقد لمواقع عينيه وأنفه، فلا تقع عينه منك على قبيح، ولا يشم منك إلاّ أطيب ريح.

- أما الخامسة والسادسة: فالتفقد لوقت منامه وطعامه؛ فإن تواتر الجوع ملهبة، وتنغيص النوم مغضبة.

- وأما السابعة والثامنة: فالاحتراس بماله، والإرعاء على حشمه وعياله. وملاك الأمر في المال حسن التقدير، وفي العيال حسن التدبير.

- وأما التاسعة والعاشرة: فلا تعصين له أمراً، ولا تفشين له سراً له؛ فإنك إن خالفت أمره أوغرتِ صدره، وإن أفشيتِ سره لم تأمني غدره.

- ثم إياك والفرح بين يديه إن كان مهتماً، والكآبة بين يديه إن كان فرحاً).

هذه الفقرة تفصيل وتوضيح للفقرة قبلها وفيها تقدم الأم تلك النصائح العشر وهي:

  1. عليك بالقناعة والرضا بالقليل، فالقناعة كنز لا يفنى.
  2. عليك بحسن السمع له والطاعة.
  3. الاهتمام بجمال المظهر، فلا ترى عين الزوج منك إلا كل ما هو جميل.
  4. العناية بالنظافة في نفسها وبيتها فلا يشم أنفه إلا أطيب عطر.
  5. الحرص على توفير سبل الراحة له أثناء نومه؛ لأن إقلاق الزوج أثناء نومه قد يثير غضبه وسخطه.
  6. إعداد الطعام الجيد في موعده؛ لأن الجوع قد يشعل نيران الغضب والغيظ في البيت.
  7. المحافظة على ماله وعدم تبذيره فيما لا يفيد.
  8. رعاية خدمه بالإرشاد والتوجيه، وتربية أولاده التربية الحسنة.
  9. طاعته وعدم عصيان أوامره؛ لأن عصيان أوامره قد يظنه استهانة به فيمتلأ قلبه بالغيظ والغضب منك.
  10. عدم إفشاء أسراره؛ لأن عدم المحافظة على أسراره قد تُفسد عليه خططه أو تعرضه لخطر مما يدفعه إلى الانتقام منك.

- وفي النهاية تحذر الابنة من عدم مراعاة مشاعر الزوج، فعليها بالمشاركة الوجدانية لمشاعر الزوج فلا تظهر الفرح وهو حزين، ولا تحزن أمامه وهو فرح.

الأساليب الخبرية والإنشائية:

- وقد تنوعت ما بين خبرية وإنشائية للتقرير والتأكيد والنصح والإرشاد.

- (لا تفشي له - لا تعصي له): أسلوب نهي غرضه الحث والنصح والتحذير.

- (اتقي مع ذلك): أسلوب إنشائي أمر للتحذير والنصح.

- (كوني أشد ما تكونين): أسلوب إنشائي أمر للنصح والحث.

- (اعلمي): أسلوب إنشائي أمر للتنبيه والنصح.

- (والله يخير لك): أسلوب خبري لفظاً إنشائي معنى للدعاء.

أساليب القصر والتوكيد:

- (فلا تقع عينه منك) (ولا تفش له سراً) (ولا تعصي له أمراً) (وملاك الأمر في المال حسن التقدير) (اتقي مع ذلك الفرح) كل جملة أسلوب قصر بتقديم شبه الجملة غرضه التخصيص والتوكيد.

- (ولا يشم منك إلا طيب ريح): أسلوب قصر بالنفي والاستثناء للتخصيص والتوكيد.

- (فإن حرارة الجوع) (فإنك إن أفشيت) (فإن الخصلة الأولى): أسلوب مؤكد بأن.

- (أشد ما تكونين له إعظاماً) (أشد ما يكون إكراماً) (أشد ما تكونين له موافقة) (يكن أطول ما تكونين له مرافقة): في كل جملة مما سبق أسلوب قصر عن طريق تقديم جملة كان على التمييز.

الإيجاز والإطناب:

- (الصحبة بالقناعة): إطناب عن طريق التفصيل بعد الإجمال للتوضيح.

- (الصحبة والمعاشرة): إطناب عن طريق الترادف للتأكيد.

- (فلا تقع عينه منك): إطناب عن طريق التفصيل بعد الإجمال للتوضيح.

- (الموجود - المفقود): ايجاز بحذف الفاعل للعموم والشمول يدل على الأهمية.

- (فإن حرارة الجوع): إطناب عن طريق التعليل والتذليل للتأكيد.

- (بيته وماله): إطناب عن طريق ذكر الخاص بعد العام للتأكيد والاهتمام والتركيز على الخاص.

- (نفسه وحشمه وعياله): إطناب عن طريق التعليل والتذييل للتأكيد.

- (فإنك إن أفشيت): إطناب عن طريق التعليل والتذييل للتأكيد.

- (فإن الخصلة الاولى): إطناب عن طريق التعليل والتذييل للتأكيد.

- (أحببت وكرهت، يخير): إيجاز بحذف المفعول به للعموم والشمول.

التعليق العام على الوصية:

س1: ما معنى الوصية؟

الوصية عبارة عن قول حكيم صادر من إنسان حكيم مجرب خبير بالحياة يقدم فيها الموصي خلاصة تجاربه لمن يحب من أهله وذويه؛ لينتفع بهذه الوصية في حياته القادمة.

س2: للوصية أجزاء وضحها.

أجزاء الوصية:

  1. المقدمة.
  2. الموضوع.
  3. الخاتمة.

س3: ما أهم خصائص الوصية الفنية؟

أهم خصائص الوصية الفنية: وضوح الألفاظ - قوة العبارة - صدق العاطفة - الأفكار المرتبة المترابطة - جمال الصور والميل إلى التزام السجع غير المتكلف.

س4: تظهر الوصية ملامح شخصية الأم. وضح.

ملامح شخصية الأم: حكيمة - عاقلة - ذكية - متزنة - حريصة على مصلحة ابنتها - خبيرة بطبائع الرجال - كما أنها أديبة بارعة في التعبير عن حاجات المرأة.

س5: ما ملامح البيئة في النص؟

  1. مشاركة المرأة في مستقبل الأسرة.
  2. العناية بتربية البنت.
  3. علو مكانة الرجل.
  4. الحرص على مستقبل الحياة الزوجية.

س6: ماذا يعيب الكاتبة في نصيحتها؟

يؤخذ على الكاتبة: أنها ساقت وصاياها على شكل أوامر وقوانين مرقمة ومرتبة يغلب عليها الجمود، رغم أن العلاقة الزوجية علاقة تحتاج الى البساطة والحيوية وعدم الجمود كما أنها لا تحتاج الى إطار معين يحدد هذه العلاقة لأنها علاقة تقوم على الحيوية والانفتاح.