العفو مأمول "شعر" كعب بن زهير

لمحة عن الشاعر:

كعب بن زهير بن أبي سلمى أحد فحول المخضرمين الذين عاشوا في الجاهلية وصدر الإسلام صاحب قصيدة "بانت سعاد" في مدح الرسول (ص) قال الشعر في حداثته فكان والده ينهاه عنه مخافة أن يقول مالا خير فيه فيزوى عنه فيلازمه عاره طوال الدهر، فلم ينته فأذاه فلم يرتدع فامتحنه امتحاناً شديداً فكان يقول على ما يحب زهير فأجازه فنبغ فيه حتى صار من فحول عصره.

ولما ظهر الإسلام ذهب أخوه "بجير" الى الرسول (ص) وأعلن إسلامه، فغضب كعب وهجا الرسول (ص) فتوعده وأهدر دمه، ثم عاد الى رشده وتوسل بالرسول (ص) ومدحه بهذه القصيدة.

مناسبة القصيدة:

أسلم أهوه بجير فهجا كعب الرسول (ص) ولما علم الرسول (ص) بذلك أهدر دمه، فخشي عليه بجير ونصحه بالتوبة، فقدم المدينة وتوسل بالرسول (ص) ومدح النبي (ص) بلاميته التي راقت للنبي وخلع عليه بردته حتى أصبحت القصيدة من عيون القصائد الخالدة.

1. حزن الشاعر لفراق حبيبته سعاد:

1- أَمسَت سُعادُ بِأَرضٍ لا يُبَلِّغُــها **** إِلّا العِتاقُ النَجيباتُ المَراسيلُ
2- وَلَن يُبَلِّغها إِلّا عُذافِـرَةٌ **** فيها عَلى الأَينِ إِرقالٌ وَتَبغيـلُ
3- يَسعى الوُشـاةُ بِجَنبَيها وَقَولُهُـم **** إِنَّكَ يَا بنَ أَبي سُلمى لَمَقتولُ

الشرح:

1. لقد فارقتني سعاد إلي ارض بعيدة جدا حتى أنه لا يصل إليها الا النوق القوية السريعة.

2. وتلك الناقة قوية شديدة قد أصابها التعب لطول السير، ومع ذلك فهي تتفادى التعب بمزيد من الإسراع.
3. يسعى الوشاة حول هذه الناقة يخبرون الشاعر بوعيد النبي - صلى الله عليه وسلم - واهدره دمه.

الأساليب الإنشائية الخبرية:

- (يا بن أبى سلمى) أسلوب إنشائي، نداء، غرضه: إظهار الشماتة، واللوم.

- أسلوب باقي الأبيات: خبري للتقرير.

أساليب القصر:

- (لا يبلغها إلا ... ): أسلوب قصر وسيلته النفي والاستثناء للتخصيص والتوكيد

- (فيها عَلى الأَينِ إِرقالٌ وَتَبغيـلُ) (إِنَّكَ يَا بنَ أَبي سُلمى لَمَقتـولُ) أسلوب قصر وسيلته التقديم، غرضه التخصيص والتوكيد.

أساليب التوكيد:

- (إِنَّكَ يَا بنَ أَبي سُلمى لَمَقتـولُ) أسلوب مؤكد بإن واللام المُزحلقة.

من الإطناب:

- بين البيت الأول والثاني، نوعه بالترادف. - (إرقال وتبغيل) بالترادف.

- (وقولهم: إنك - يا ابن أبى سلمى - لمقتول) بالتفصيل بعد الإجمال، وبالجملة الاعتراضية (يا ابن أبى سلمى) وسر جمال الإطناب التوكيد.

الطباق:

(الأين ، الإرقال) يوضح المعنى ويؤكده.

مراعاة النظير:

(العتاق – النجيبات – المراسيل) وسر جماله: يثير الذهن.

الاستعارة:

(يَسعى الوُشـــاةُ بِجَنبَيها وَقَولُهُـم) استعارة مكنية؛ فقد شبه قول الوشاة بحية (ثعبان) تسعى، وحذف المشبه به، وسر جمالها التشخيص، وتوحى بأن هذه الأقوال بلغت من التأكيد لدرجة أنها تحولت لشيء حسي يسعى على الأرض.

المجاز:

- (بأرض) مجاز عن المكان الذي نزلت به سعاد، علا قته الكلية، وسر جمال المجاز المرسل: الإيجاز، والدقة في اختيار العلاقة.

الكناية:

- (العتاق النجيبات المراسيل) - (عذافرة): كناية عن موصوف وهي الناقة، وسر جمالها الإتيان بالمعنى مصحوبا بالدليل عليه في إيجاز وتجسيم.

التعبير والإيحاء

- (أمست): خص المساء لما يرتبط به من وقت الرحيل والتذكر وتجمع الأحزان.

- (بأرض): النكرة للتهويل، وتوحى بمدى شوقه لهذا المكان.

- (إرقال وتبغيل): الجمع بينهما للتنوع ويؤكد بعد المسافة.

- (يسعى الوشاة): المضارع للتجدد والاستمرار والجمع للكثرة.

- (بجنبيها): توحي بإحاطة الوشاة بها من كل جانب.

الناس جميعاً يتخلون عن الشاعر:

4- وَقــالَ كُلُّ خَليــلٍ كُنتُ آمُلُهُ **** لا أُلفِيَنَّكَ إِنّي عَنكَ مَشغولُ
5- فَقُلتُ خَلّوا سبيلي لا أَبا لَكُمُ **** فَكُلُّ ما قَدَّرَ الرَحمَنُ مَفعولُ
6- كُلُ اِبنِ أُنثى وَإِن طالَت سَلامَتُهُ **** يَوماً عَلى آلَةٍ حَدباءَ مَحمـول

الشرح:

4. وقد استجار ببعض أصحابه الذين كان يرجو منهم الخير، لكنهم تخلوا عنه، وقالوا: إننا لن ننفعك فاعمل لنفسك.
5. البيت نتيجة لما قبله، فقد قال لهم اتركوني لحالي - لا أب لكم - فإنني على يقين أن قدر الله لا محالة واقع، وإنني لا أخاف الموت.
6. فكل إنسان مهما طال عمر فنهايته هي الموت، فالموت ظاهرة عامة لا ينجو منها أحد، والبيت تعليل لما قبله.

الأساليب الخبرية والإنشائية:

(لا ألفينك) أسلوب إنشائي، نوعه: نهى، غرضه: التحذير.

(خلوا سبيلي) أسلوب إنشائي، نوعه: أمر، غرضه التوبيخ، والذم.

(لا أبا لكم) أسلوب خبري لفظاً إنشائي معنى، غرضه: الدعاء.

باقي الأساليب خبرية للتقرير.

أساليب القصر:

- (إني عنك مشغول): وسيلته تقديم شبه الجملة على خبر إن، للتخصيص.

- (يَوماً عَلى آلَةٍ حَدباءَ مَحمـول): وسيلته تقديم الظرف (يومًا) وشبه الجملة (عَلى آلَةٍ حَدباءَ) على الخبر(محمول)، للتخصيص والتوكيد والاهتمام بالمتقدم.

أساليب التوكيد:

- (لا أُلفِيَنَّكَ) أسوب مؤكد بنون التوكيد.

- (لا أبا لكم) مؤكد ب(لا) النافية للجنس.

- (إِنّي عَنكَ مَشغولُ) أسلوب مؤكد بإن.

الإيجاز:

(محمول – مشغول- مفعول) اسم مفعول، إيجاز بحذف الفاعل للعموم والشمول.

(وإن طالت سلامته) إيجاز بحذف جواب الشرط.

الإطناب:

- (فكل ما قدر الرحمن مفعول): إطناب بالتذييل (حكمة في ذيل البيت).

- (وإن طالت سلامته) - (كنت آمله) إطناب بالجملة الاعتراضية للاحتراس والتوكيد.

- (لا أبالكم) إطناب بالجملة الاعتراضية للدعاء.

- (كُلُ اِبنِ أُنثى....... البيت): إطناب بالتذييل (حكمة ختمت بها الفكرة).

الاستعارة:

(خلوا سبيلي) استعارة تصريحية؛ شبه آماله المنعقدة على أصحابه بسبيل (طريق) مسدود، يتخلّى عنه، ويتركه، وحذف المشبه، وصرح بالمشبه به، وسر جمالها: التجسيم.

الكناية:

(كل ابن أنثى) كناية عن موصوف وهو الإنسان.

(آلة حدباء) كناية عن موصوف وهو الجنازة.

(خلوا سبيلي) كناية عن صفة الضيق.

(فكل ما قدر الرحمن مفعول) كناية عن صفة التسليم والرضا.

التعبير

(كل ما قدر الرحمن) استعمال" كل" و " ما " للعموم والشمول.

(كل خليل): تفيد العموم والشمول.

(كنت آمله): استخدام الفعل الماضي(كنت) يوحي بخيبة أمله فيهم.

(كل ما قدر الرحمن) (كل ابن أنثى) (إني عنك مشغول): تعليل لما قبلها.

(فقلت): الفاء للترتيب والتعقيب وعلاقته بما قبله: نتيجة.

(يوما): تفيد العموم والشمول، للتهويل.

(ابن أنثى): التعبير يفيد العموم للإنسان وغيره.

الفكرة الأخيرة (رجاء ومدح للرسول):

7 - أُنبِئـتُ أَنَّ رَسولَ اللَهِ أَوعَدَني **** وَالعَفُوُ عِندَ رَسولِ اللَهِ مَأمولُ
8- مَهلاً هَداكَ الَّذي أَعطاكَ نافِلَةَ **** القُرآنِ فيها مَواعيظٌ وَتَفصيلُ
9- لا تَأَخُذَنّي بِأَقوالِ الوُشاةِ فلَــم **** أُذِنب وَلَو كَثُرَت عَنّي الأَقاويلُ
10- إِنَّ الرَسولَ لَنورٌ يُستَضاءُ بِـهِ **** مُهَنَّدٌ مِن سُيوفِ اللَهِ مَسلولُ

الشرح:

7. أخبرت أن رسول الله توعدني بإهدار دمي، لكنني أعلم أن العفو والتسامح مرجو عند رسول الله – صلى الله عليه وسلم-.

8. أرجوك أن تتمهل يا من أعطاك الله القرآن الكريم وما فيه من مواعظ وتفصيل.

9. لا تحاسبني بما يقوله الوشاة، فأنا غير مذنب على الرغم من كثرة كلامهم.

10. فإنك يا رسول الله نور يهدى الحارين، وسيف يُردي الظالمين.

الأساليب الخبرية والإنشائية:

(مهلًا) أسلوب إنشائي، نوعه أمر غرضه: الالتماس، والاستعطاف.

(لا تأخذني) أسلوب إنشائي، نوعه: نهى، غرضه: الالتماس، والاستعطاف.

(هداك): أسلوب خبري لفظا إنشائي معنى غرضه الدعاء والتعظيم.

باقي الأساليب خبرية للتقرير.

أساليب القصر:

(والعفو عند رسول الله مأمول)، وسيلته التقديم غرضه التخصيص والتوكيد.

(مهند من سيوف الله مسلول) وسيلته التقديم غرضه التخصيص والتوكيد.

أساليب التوكيد:

(أن رسول الله): أسلوب مؤكد بأن. - (إن الرسول لنور) مؤكد بإن واللام.

(لا تأخذني) مؤكد بنون التوكيد الثقيلة.

من الإطناب:

(رسول الله- عند رسول الله) (أقوال- أقاويل) بالتكرار. (مهند– سيوف) بالترادف.

من الإيجاز:

(نُبئت – يُستضاء) إيجاز بحذف الفاعل بعد بناء الفعل للمجهول يفيد الكثرة.

(مأمول): اسم مفعول فيه إيجاز بحذف الفاعل للتنبيه.

الطباق:

(أوعدني، العفو): طباق يبرز المعنى ويقويه بالتضاد

الالتفات:

(نبئت – أوعدني) وسر جمال الالتفات: يثير الذهن.

التشبيه:

(إن الرسول لنور يستضاء به) تشبيه بليغ، سر جماله: التوضيح.

(......... مهند .... مسلول) تشبيه بليغ، سر جماله: التوضيح.

(نافلة القرآن) تشبيه بليغ وأصل الجملة: الأقران مثل النافلة- التوضيح.

الكناية:

(هداك الذي أعطاك نافلة القرآن) كناية عن موصوف، وهو الله عزوجل.

(سيوف الله): كناية عن موصوف، وهم الرسل.

الاستعارة

(سيوف الله): استعارة تصريحية؛ حيث شبه الرسل(مشبه) بالسيوف (مشبه به)، وحذف المشبه، وصرح بالمشبه به، وسر جمالها: التوضيح.

- (رسول الله): تكرارها للتعظيم، والإضافة إلى (الله) للتشريف.

- (نافلة): توحي بتمام النعمة.

- (أقوال - الوشاة): جمع؛ لتوحي بكثرة الوشاة.

- (أقاويل): توحي بأنها مجرد اتهامات وشائعات لا دليل عليها.

الألفاظ في النص:

الألفاظ واضحة وملائمة للجو النفسي تبعًا لكل موقف:

- عند الاعتذار والاستعطاف تدل على الخوف والرجاء في العفو مثل:

(أوعدني - العفو مأمول - مهلًا - الوشاة - لم أذنب – الأقاويل)

- (عند المدح) تجد صفات الهداية والقوة مثل:

(نور - يستضاء به - مهند - سيوف الله).

الصور الخيالية في النص:

- جاءت قليلة اعتمادًا على الإقناع العقلي.

- الموسيقى في النص:

الموسيقى الظاهرة:

أ- الخارجية: واضحة في الوزن والقافية فقد اختار بحر البسيط واختار قافية اللام المطلقة لتساعد على التأثير النفسي.

ب- الموسيقى الظاهرة الخارجية: في بعض المحسنات البديعية.

الموسيقى الداخلية الخفية: نابعة من اختيار الألفاظ وترابط المعاني وجمال التصوير.

خصائص أسلوب كعب بن زهير:

  1. غرابة الألفاظ مع جودة الوصف.
  2. تنوع الأساليب بين الخبر والإنشاء للتشويق وإثارة الذهن ومنع الملل عن السامع.
  3. قلة الصور الخيالية لحاجة الموقف إلى الإقناع العقلي.
  4. قلة المحسنات البديعية.
  5. التأثر بالقرآن الكريم والإسلام.
  6. وضوح الموسيقى في حدة الوزن والقافية (بحر البسيط.

ملامح شخصية الشاعر:

  • مؤمن قوي الشعور بعظمة الإسلام وعظمة الرسول (ص).
  • ذو موهبة متميزة.

أثر البيئة في النص:

  1. البدء بالغزل حيث اعتاد الشعراء الجاهليون ذلك.
  2. الصور منتزعة من البيئة مثل استخدام المهند ووصف الناقة.
  3. استخدام السيف الهندي في الحرب.
  4. استخدام النوق في السفر والترحال.

غرض النص:

الاعتذار والمدح وهو يجعل المدح وسيلة لإرضاء من يعتذر إليه حتى يكسب عطفه ورضاه.

عاطفة الشاعر:

  • الخوف والرجاء والإعجاب بالنبي.
  • بدأ (كعب) قصيدته بالغزل الصناعي على عادة الشعراء في ذلك العصر تمهيداً للمدح وقد كانوا يبدؤون بالغزل لارتباطه بحياة البادية وأهمية المرأة عن العرب ولأنه كالموسيقى التي تمهد للإنشاد سواء في الوصف او المدح او حتى في الرثاء.