مصر مطلع البدور "نثر" العماد الأصفهاني

الكاتب هو: محمد صفى الدين الملقب بالأصفهاني نسبة الى بلده التي ولد بها 519هـ أديب وشاعر وفقيه شافعي المذهب، من أشهر كتاب صلاح الدين الأيوبي ومن مؤلفاته ديوانه (خريدة القصر) وديوان (الرسائل).

مناسبة النص: رافق الأصفهاني صلاح الدين في إحدى زياراته مصر فأعجب بها وبجمالها وكرم أهلها فعبر عن هذا الإعجاب بهذا النص.

فضائل مصر:

وأنا مُبتدئٌ بالديارِ المَصريةِ لامتزاجي بأهْلِها وابتهاجي بفضْلِها، واطلاعي على فضَائِلِها، واضطلاعِي بفواضلها، ودُخُولي إليها في خدمةِ سلطانها، وخروجي منها بشكر إحسانها، ومقامي أترفرفُ على محاسنها، وأترشفُ من عَذْبِها وآسِنِهَا، وأتحلى بعقود جواهِرها، وأتملى من سُعود زواهرها.

صفات مصر وأهلها:

ومصرُ مَرْبَعُ الفضلاء، ومرتعُ النبلاء، ومَطْلَعُ البدور، وموضِعُ الصدور، وأهلُها أذكياءُ أذكياء يَبْعُدُ مِنْ أَقْوالِهِم وأعمالِهِم العِيُّ والعَيَاءُ، لاسِيَّمَا في هذا الزمانِ المُذّهَّبِ بدولةِ مولانا المَلِكِ الناصرِ صلاحِ الدُّنيا والدينِ، سلطانِ الإسلامِ والمسلمينَ، أبي المُظَفَّرِ يوسفَ بنِ أيوبَ.

أثر صلاح الدين في مصر:

ففِي أيَامِهِ الزاهِرَة، ودَوْلتِهِ القَاهِرَة، أشرقَت الأرضُ بنُورِ ربِّهَا، وهَبَّت الأرياحُ مِن مَهَبِّهَا، ورُفِعَتْ مَعْالِمُ العَدْلِ والعِلْم، وخضعَتْ دعائمُ الجهلِ والظلم، واتضحَ الحقُ، واتضعَ الباطلُ، عزَّ العالمُ وذَلَّ الجاهلُ.

الشرح:

يبين العماد الأصفهاني فرحته بدخول مصر واختلاطه بأهلها ومعرفته لفضلها وفضائلها، حيث جاء مصر لخدمة سلطانها صلاح الدين الأيوبي فأكل من أجمل طعامها شرب من عذب مائها وتزين بحليها وملأ عينيه من جمال نجومها الزاهرة المتلألئة.

إن مصر مليئة بالفضلاء الكرام والعلماء الذين ينيرون العالم بعلمهم وفيها الوجهاء الذين يتصدرون المجالس وهم أذكياء طاهرون، أفعالهم صحيحة وأقوالهم واضحة فصيحة، خاصة في عصر صلاح الجين الأيوبي الذي صلح به أمر الدنيا والدين ففي عصر أضاءت الأرض وهبت الرياح وانتشر العدل والعلم وانمحى الجهل والظلم وظهر الحق وزهق الباطل.

من اللمحات الفنية والجمالية:

(وأنا مبتدئ بالديار المصرية): تعبير يدل على تقدير الكاتب لمصر وأهلها وسعادته بزيارتها.

(بالديار المصرية): مجاز مرسل عن البلاد، علاقته: الجزئية، حيث عبر بـ(الديار) وأراد (البلاد). وسر جمال المجاز: الدقة والإيجاز.

(لامتزاجي بأهلها): استعارة مكنية، حيث صور الكاتب نفسه وأهل مصر بسوائل تمتزج، وسر جمال الصورة: التوضيح، وتوحي الصورة بمدى الألفة التي ربطت بين الكاتب وأهل مصر، وعلاقتها بما قبلها: تعليل.

(واطلاعي على فضائلها): استعارة مكنية، حيث صور الشاعر الفضائل بأشياء مادية يطلع عليها، وسر جمال الصورة: التجسيم، وتوحي بجمال وسحر ما في مصر.

(فضائلها - فواضلها): التعبير بالجمع يفيد العموم والشمول والكثرة.

(بشكر إحسانها): استعارة مكنية، حيث صور الشاعر الإحسان بإنسان بار يقدم إليه الشكر، وسر جمال الصورة: التشخيص، وتوحي بحسن معاملة المصريين له، وامتنانه لعظيم لمصر وأهلها.

(أترفرف على محاسنها): كناية عن الاستمتاع بخيرات مصر الكثيرة، وسر جمال الكناية: الإتيان بالمعنى مصحوباً بالدليل عليه في إيجاز وتجسيم.

(مصر مربع الفضلاء): كناية عن عظمة وسمو مصر وأهلها، وسر جمال الكناية: الإتيان بالمعنى مصحوباً بالدليل عليه في إيجاز وتجسيم.

(مصر مربع الفضلاء، ومرتع النبلاء): محسن بديعي / سجع فيه ترصيع، يعطي جرساً موسيقياً محبباً للأذن.

(مصر مرتع): تشبيه بليغ، حيث شبه الكاتب مصر بالمرعى، وسر جمال الصورة: توضيح أن مصر مصدر الخير والنعيم.

(مربع - مرتع): محسن بديعي / جناس ناقص يعطي جرساً موسيقياً يطرب الأذن.

(مصر مطلع البدور): كناية عن سمو مكانة مصر العلمية ورفعتها فهي التي تشع بحضارتها على العالم، وسر جمال الكناية: الإتيان بالمعنى مصحوباً بالدليل عليه في إيجاز وتجسيم.

(البدور): استعارة تصريحية، حيث صور علماء مصر بالبدور التي تنير العالم وتحميه من التخبط في ظلمات الجهل، والتعبير بالجمع؛ لبيان كثرة العلماء المصريين الذين يشعون بعلمهم ويهدون الآخرين.

(مطلع البدور، وموضع الصدور): محسن بديعي / سجع يعطي جرساً موسيقياً محبباً للأذن.

(أهلها أذكياء أذكياء): كناية عن تقوى وصلاح وتدين المصريين، وسر جمال الكناية: الإتيان بالمعنى مصحوباً بالدليل عليه في إيجاز وتجسيم.

(وأهلها أذكياء أزكياء .. يبعد من أقوالهم وأعمالهم العي والعياء): محسن بديعي / سجع يعطي جرساً موسيقياً يطرب الأذن.

(أذكياء - أذكياء): محسن بديعي / جناس ناقص يعطي جرساً موسيقياً يطرب الأذن.

(يبعد من أقوالهم وأعمالهم العي والعياء): استعارة مكنية فيها تصوير لأقوال وأعمال أبناء مصر بأشخاص قوية لا تتصف بالضعف أو العجز، وسر جمال الصورة: التشخيص، وتوحي الصورة برزانتهم وتعقلهم وفصاحتهم في كل أمورهم.

(يبعد من أقوالهم وأعمالهم العي والعياء): أسلوب قصر بتقديم الجار والمجرور (من أقوالهم وأعمالهم) على الفاعل (العي والعياء) يفيد التخصيص والتوكيد.

(أقوالهم - أعمالهم): محسن بديعي / طباق يبرز المعنى ويوضحه ويقويه بالتضاد.

(صلاح الدنيا والدين): استعارة مكنية، حيث صور الدنيا والدين بشخصين يصلحهما السلطان، وسر جمال الصورة: التشخيص.

(الدنيا والدين): محسن بديعي / طباق يبرز المعنى ويوضحه ويقويه بالتضاد.

(أيامه): مجاز مرسل عن عهد صلاح الدين، علاقته: الجزئية. وسر جمال المجاز: الدقة والإيجاز.

(ففي أيامه الزاهرة - دولته القاهرة): محسن بديعي / سجع يعطي جرساً موسيقياً يطرب الأذن.

(الزاهرة - القاهرة): محسن بديعي / جناس ناقص يعطي جرساً موسيقياً يطرب الأذن.

(دولته القاهرة): استعارة مكنية تصور دولة صلاح الدين بإنسان قاهر لأعدائه، وسر جمال الصورة: التشخيص، وتوحي الصورة بالقوة الشديدة التي تجعل الأعداء يخشونها بشدة.

(أشرقت الأرض بنور ربها): استعارة مكنية، حيث صور الأرض بشمس تشرق، وسر جمالها: التوضيح، وتوحي بالتفاؤل والسعادة في ظل حكم صلاح الدين، وفي الصورة اقتباس من قوله تعالى: (وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ) [الزمر من الآية: 69].

(أشرقت الأرض بنور ربها): كناية عن عموم السعادة في ظل الدين وانتشارها، وسر جمال الكناية: الإتيان بالمعنى مصحوباً بالدليل عليه في إيجاز وتجسيم.

(رفعت): إيجاز بحذف الفاعل عن طريق بناء الفعل للمجهول.

(خضعت دعائم الجهل والظلم): استعارة مكنية، حيث صور الجهل والظلم ببناء تسقط وتتهاوى دعائمه، وسر جمال الصورة: التجسيم، وتوحي بحرص صلاح الدين على العلم والعدل.

(دعائم): تعبير يوحي برسوخ الجهل والظلم قبل حكم صلاح الدين، وهذا يدل على جهود صلاح الدين الشديدة الحثيثة للقضاء التام عليهما.

(ورفعت معالم العدل والعلم، وخضعت دعائم الجهل والظلم): محسن بديعي / مقابلة تبرز المعنى وتوضحه وتقويه بالتضاد.

(اتضح الحق): استعارة مكنية تصور الحق بشيء مادي يظهر، وسر جمال الصورة: التجسيم، وتوحي بفضل صلاح الدين في إظهار الحق.

(اتضع الباطل): استعارة مكنية تصور الباطل بإنسان يُذل ويهان في ظل عهد صلاح الدين، وسر جمال الصورة: التشخيص، وتوحي بعظمة صلاح الدين في إظهار الحق.

(اتضح الحق، واتضع الباطل): محسن بديعي / مقابلة تبرز المعنى وتوضحه وتقويه بالتضاد.

(اتضح - اتضع): محسن بديعي / جناس ناقص يعطي جرساً موسيقياً يطرب الأذن.

(عز العالم وذل الجاهل): محسن بديعي / مقابلة تبرز المعنى وتوضحه وتقويه بالتضاد.

التعليق الأدبي والبلاغي:

س1: من أي فنون النثر هذا النص؟

النص من الرسائل الديوانية التي ظهرت مع مطلع العصر الأموي ثم تطورت وازدهرت في العصر العباسي.

س2: بم تعلل: شيوع الموسيقى في النص؟

تشيع الموسيقى في النص لاعتماد الكاتب على المحسنات اللفظية كالجناس والسجع والازدواج ومعظمه متكلف ويعاب عليه.

س3: ما أهم ملامح شخصية الكاتب؟

  • ملخص.
  • واسع الثقافة.
  • محب لمصر.

س4: ما أهم سمات أسلوب الكاتب؟

  • سهولة الألفاظ ووضوح المعاني والفكرة.
  • قصر الجمل والفقرات.
  • التأثر بالقرآن الكريم.
  • الاعتماد على الأساليب الخبرية.
  • كثرة المحسنات البديعية كالسجع والطباق.

س5: بم تعلل: كثرة الأساليب الخبرية واختفاء الأساليب الإنشائية في النص؟

لأن الأساليب الخبرية أكثر مناسبة للوصف.