من وصايا الحكماء: (نص نثري) ذو الإصبع العدواني

ذو الأصبع العدواني: هو حرثان بن الحارث حكيم وشاعر من العصر الجاهلي ينتمي لقبيلة عدوان المصرية وسمي ذو الأصبع لوجود أصبع زائدة برجله كان من حكماء العرب حين حضرته الوفاة اوصى ابنه اسيداً ببعض الوصايا التي تعينه في حياته ومنها:

الوصايا:

"يا بني إن أباك قد فني وهو حي وعاش حتى سئم العيش وإني موصيك بما إن حفظته بلغت في قومك ما بلغته فاحفظ عني: ألن جانبك لقومك يحبوك وتواضع لهم يرفعوك وابسط لهم وجهك يطيعوك ولا تستأثر عليهم بشيء يسودوك وأكرم صغارهم كما تكرم كبارهم يكرمك كبارهم ويكبر على مودتك صغارهم واسمح بمالك واحم حريمك وأعزز جارك وأعن من استعان بك وأكرم ضيفك وأسرع النهضة في الصريخ فوالله إن لك أجلا لا يعدوك وصن وجهك عن مسألة أحد شيئا فبذلك يتم سؤددك".

اللغويات:

الكلمة معناها الكلمة معناها الكلمة معناها
بني تصغير ابن يرفعوك يعزوك × يذلوك مودتك محبة
فني انتهى ومات هلك × خلد أبسط وجهك ابتسم النهضة العون والمساعدة
سئم مل وضاق × اشتاق لا تستأثر لا تبخل ولا تضن الصريخ الاستغاثة وطلب النجدة
موصيك ناصحك × ضالك يسودوك يجعلوك سيداً يستعبدوك أجلاً حياة عمر
حفظته وعيته أهملته احم صن - امنع - دافع لا يعدوك لا يتجاوزك او يتخطاك
بلغت وصلت أدركت حريمك كل ما هو حرام صن احفظ
ألن جانبك تواضع أعزز أكرم مسألة طلب وحاجة
تواضع تكبر أعن ساعد × أخذل سؤددك شرفك ومجدك

شرح الوصية:

تمثل هذه الوصايا خلاصة التجارب والخبرة الطويلة التي عرفها الأب من تجارب حياته والتي تضمنت مبادئ رئيسة عامة أوصى بها ابنه ومنها:

  • معاملة قومه برفق ليحبوه.
  • تواضعه معهم حتى يرفعوا قدره ويقدروه.
  • مقابلتهم بوجه طلق المحيا منشرح الصدر ليألفوه ويخضعوا له ويطيعوه.
  • إشراكهم في ماله ونعمه ولا ينفرد بها دونهم حتى اعترفوا له بالسيادة والزعامة عليهم.
  • إكرامه الكبير منهم والصغير على السواء حتى يوقره الكبير وينشأ صغارهم على محبته.

التحلي بالصفات الكريمة التي تؤهله للسيادة مثل:

  • بذل المال عن طيب خاطر وسماحة نفس.
  • الدفاع عن كل الحرمات التي يجب حمايتها والدفاع عنها.
  • الإسراع بنجدة الملهوف المستغيث دون خوف فإن لكل منها وقتاً محدداً للموت لا بتجاوزه.
  • حفظ ماء الوجه من ذل السؤال.

اللمحات الفنية والجمالية في الوصية:

يا بني: نداء للتنبيه وإظهار العطف والحنان تصغير يدل على الحب والمودة استمالة للابن على التجاوب مع وصايا الأب.

إن أباك قد فني وهو حي: اسلوب مؤكد بمؤكدين (إن - قد) كناية عن الضعف والكبر وفيها براعة استهلال حيث إنها تتضمن تمهيداً رائعاً مبرراً للوصايا.

(فني - حي): طباق يوضح المعنى.

وعاش حتى سئم العيش: كناية عن طول العمر وشدة المعاناة

انني موصيك بما إن حفظته بلغت في قومك ما بلغته: أسلوب مؤكد بأن كناية عن أهمية الوصايا والتمسك بها.

إني موصيك: التفات يفيد الإثارة والتنبيه وهو الانتقال من ضمير المتكلم للمخاطب.

بما إن حفظته: استعارة مكنية تصور الوصايا كنزا يجب الحفاظ عليه سر جمالها التجسيم.

بلغت في قومك ما بلغته: كناية عن سمو المنزلة والزعامة.

قومك: الإضافة تفيد الانتماء والتخصيص وتوحي بالاعتزاز والحب.

حفظته بلغته: بين الجملتين سجع يعطي جرساً موسيقياً يطرب الأذن ويمتعها ويثير الذهن.

فاحفظ عني: اسلوب امر للحث والنصح والفاء للترتيب والسرعة والتعقيب.

ألن جانبك لقومك يحبوك: اسلوب انشائي نوعه امر غرضه الحث والنصح كل الوصايا تفصيل بعد إجمال كناية عن التواضع.

قومك: الكاف للتخصيص يحبوك: نتيجة وتعليل لما قبلها.

تواضع لهم يرفعوك: اسلوب امر للحث والنصح.

ابسط لهم وجهك يطيعوك: اسلوب امر للحث والنصح وكناية عن البشر والإشراق.

وجهك: مجاز مرسل علاقته الجزئية عن الانسان.

يسودوك: نتيجة لما قبلها وكناية عن حب الناس وسموا المكانة الاجتماعية.

يحبوك يرفعوك، يطيعوك، يسودوك: بين هذه الجمل سجع يعطي جرساً موسيقياً يطرب الأذن ويمتعها.

تقديم على مودتك: سلوب قصر يفيد التخصيص والأهمية.

اسمح بمالك: اسلوب إنشائي نوعه امر للحث والنصح كناية عن الكرم والجود.

اسمح: توحي بأن الانفاق في العسر واليسر مما يوحي بأصالة ورسوخ صفة الكرم والجود.

احم حريمك: اسلوب إنشائي نوعه امر للحث والنصح كناية عن الأنفة والعزة.

اعزز جارك: اسلوب إنشائي نوعه امر للحث والنصح كناية عن احترام الجار وتقديره وسمو منزلته.

أعن من استعان بك: امر للحث والنصح كناية عن الشهامة.

أكرم ضيفك: اسلوب إنشائي نوعه امر للحث والنصح كناية عن سمو منزلة الضيف.

أسرع النهضة في الصريخ: اسلوب إنشائي نوعه امر للحث والنصح كناية المروءة.

فإن لك اجلاً لا يعدوك: تعليل لما قبلها استعارة مكنية تصور الأجل وصاحبه متسابقين متلازمين ولا يمكن لأحدهما ان يتجاوز صاحبه وقد حذف المشبه به واتى بشيء من لوازمه وهو يعدوك واسلوب مؤكد بـ إن.

صن وجهك عن مسألة أحد شيئاً: اسلوب انشائي نوعه امر للحث والنصح كناية عن الحياء وعزة النفس.

وجهك: مجاز مرسل علاقته الجزئية عن الإنسان.

احداً - شيئاً: نكرتان للعموم والشمول.

فبذلك يتم سؤددك: الفاء للترتيب والتعقيب والسرعة وهي نتيجة منطقية لما قبلها كناية عن أهمية الوصايا السابقة تقديم بذلك يفيد التخصيص والاهمية اضافة الضمير كاف المخاطب تفيد التخصيص والتوكيد.

التعليق العام على الوصية:

الفن النثري: من الوصايا.

العصر: الجاهلي.

الأسلوب والمعنى:

لقد جمع ذو الإصبع العدواني كل القيم الجاهلية القبلية التي أقرها الإسلام بعد ذلك بوصايا وحكم متوازنة تدرج بها لتمكنه إذا أخذ بها ان يكون سيداً وصاغها لابنه اسيد بأسلوب سهل بسيط مستخدماً الصيغ الأمرية في سياق الطلب الذي يشبه الالتماس لأن المقام مقام ود ومصارحة ووعظ واعتبار، وهذا الامر يطرد في الوصايا، وإن كان يأخذ أحياناً طابعاً مباشراً في توجيه الأمر الذي يقصد منه الأخذ بالمشورة وتطبيق الوصية، كما جاء أسلوبه واضحاً مباشراً لأن همه إرساء مقاصد تربوية وتعليمية.

العبارات والألفاظ:

اعتمد في وصيته على التوازن اللفظي، والتواصل المنطقي الذي يربط المعاني، فنلاحظ ان كل شرط له جواب بحيث تترتب النتائج على الأسباب، وذلك باستخدامه الألفاظ السهلة والبسيطة كما في تصغيره بني والصيغ الأمرية المباشرة كما قلنا ولقد ساقها بعبارات قصيرة ومركزة ذات سجع منظم هادئ أشبع الدلالات والمعاني بإيقاعات متتالية وبناء يشد العبارات بعضها الى بعض.

العاطفة: المقام مقام وصية والد لولده حالة احتضاره فما العاطفة؟

هي عاطفة الأبوة الحانية التي تريد لابنها العزة والكرامة والسؤدد ولذا فعاطفته واضحة مباشرة صادقة.

الصور البلاغية: الوصية خالية من الصور البلاغية او الصور الخيالية لأنه لا المعنى ولا المقام يسمح بذلك فـ ذو الاصبع قال هذه الوصية وقت احتضاره فأنى يكون له انتقاء الصور والتشبيهات ثم ان الموضوع عبارة عن وصية لابنه فطبيعي ان تخلو من الصور البيانية ومع ذلك لا تخلوا من الصور البديعية التي اضفت جمالاً للوصية مثل استخدامه للعبارات القصيرة المسجوعة.

الموسيقى: حرص الحكيم على الاعتماد على الموسيقى النابعة من السجع والازدواج والتجانس وذلك تعبيراً عن عواطفه ومساعدة للمتلقي على حفظ وصاياه.

السمات الفنية لأسلوبه:

  • ترابط الأفكار وترتيبها.
  • استخدام الجمل الاسمية في مقام التعليل والربط بين السبب والنتيجة.
  • الاعتماد الأكثر على الأسلوب الإنشائي في صيغتي الامر والنهي اللتين تفيدان النصح والتوجيه.
  • سهولة الألفاظ وقصر الجمل واعتماده على موسيقى السجع.
  • الاعتماد على السبب والنتيجة مما يدل على خبرة الأب فهو يعرف المقدمات والنتائج.

قلة الصور الخيالية: لاتجاهه الى النصح والارشاد العقلي وليس الامتاع العاطفي.

ملامح شخصية الموصي: مجرب - حكيم - ذكي بليغ - محب لابنه - حريص على تزويده بما يجعله سيد قومه فيكون امتداداً له.

مظاهر البيئة في النص:

  • رقي العقل العربي زمن العصر الجاهلي.
  • الحرص على التمتع بصفات السيادة والزعامة.
  • الحرص على صفات المروءة والنجدة وإكرام الضيف وإغاثة الملهوف كصفات حتمية للمجتمع في ذلك العصر الجاهلي.