العلم حياة: (نص شعري) سابق بن عبد الله البربري

التعريف بالشاعر:

سابق بن عبد الله البربري الرقي: فقيه ومحدث وأحد شعراء الزهد في العهد الأموي أخذ الشعر عنه وتتلمذ له أبو العتاهية، ومن أهل خرسان سكن الرقة، عرف بأبي أمية البربري وقد صحف الزبيدي صاحب تاج العروس اسمه بقوله (سابق بن عبد الله البرقي المعروف بالبربري) وترجم ابن عساكر لساق البربري المحدث وسابق البربري الزاهد وتوهم أنهما اثنان بينما هما شخص واحد.

روى الذهبي أنه من موالي بني أمية وفد على عمر بن عبد العزيز وله معه حكايات لطيفة.

مناسبة النص:

في حياة الإنسان قيم لا يعيش بدونها، فيم روحية وقيم مادية ومن القيم الروحية: الإيمان بالقضاء والقدر والتقوى والهدى والحق اما القيم المادية فهي استشارة الاخرين وطلب الحق والظفر بالأشياء والبصر بالأمور والعلم الذي يكشف مكنون هذه الأشياء فيجعلها واضحة جلية كما يجلو القمر الظلام ومن هذه المعاني وتلك القيم انطلق الشاعر يعبر بهذا النص.

التحلي بالحذر والاعتماد على الشورى:

بِاسـمِ الذِي أُنزِلَتْ مِنْ عِندِهِ السُّوَرُ .... والحَــمدُ للَّهِ أمَّا بَعدُ يا عُـمَرُ
إن كنتَ تَعــلَمُ ما تأتي وما تَـذَر ..... فَكُن على حَــذر قد يَنفَعُ الحَذَرُ
واسـتَخبِرِ الناسَ عمّا أنت جَـاهِلُه ..... إذا عَمِيتَ فقد يَجلو العَمَى الخَبَ

معاني المفردات والتراكيب:

الكلمة معناها الكلمة معناها الكلمة معناها
السور سور القرآن الكريم تذر تدع - تترك جاهله غير مدركه
الحمد الثناء حذراً محتاطاً عميت × أبصرت
عمر الخليفة عمر بن عبد العزيز ينفع يفيد يجلو يزيل
تعلم تعرف × تجهل الحذر الحيطة × التهور العمى المراد الجهل
تأتي تفعل × تدع استخبر اسأل × اطلب الخبر العلم

شرح الأبيات:

يبدأ الشاعر النص باسم الله الذي أنزل سور القرآن لهداية البشرية وبعد أن حمد الله وجه خطابه إلى الخليفة عمر بن عبد العزيز.

قائلاً: إن كنت تعرف ما تحب أن تفعل، وما يجب أن تترك، فإن عليك أن تكون حذراً واحترس، فقد يمنع الحذر من وقوع الشر.

واسأل ذوي الخبرة وأهل المعرفة عما لا تعرفه، فقد يزيل الاستخبار ما خفي عليك ويكشف لك جوانب لم تكن مدركة من قبل.

من اللمحات الفنية والجمالية:

(بِاسمِ الذِي): إيجاز بحذف المبتدأ، وتقديره: (ابتدائي أو قولي).

(بِاسمِ الذِي أُنزِلَتْ مِنْ عِندِهِ السُّوَرُ): كناية عن الله سبحانه وتعالى، وسر جمال الكناية: الإتيان بالمعنى مصحوباً بالدليل عليه في إيجاز وتجسيم.

(أُنزِلَتْ مِنْ عِندِهِ السُّوَرُ): أسلوب قصر بتقديم الجار والمجرور (من عنده) على نائب الفاعل (السور) يفيد التخصيص والتوكيد، وبناء الفعل (أنزلت) للمجهول إيجاز بالحذف للعلم بالفاعل وهو الله.

(أمَّا بَعدُ): استخدام " أما بعد " التي تستخدم في الخطابة (النثر) يدل على أن الشاعر أثرت فيه الروح الإسلامية تأثيراً عظيماً.

(يا عُمَرُ): نداء للتعظيم ولجذب الانتباه لما هو قادم.

(السور - عمر): محسن بديعي / تصريع يعطي جرساً موسيقياً محبباً للأذن.

(تأتي - تَذَر): محسن بديعي / طباق يبرز المعنى ويوضحه ويقويه بالتضاد.

(تَذَر - حَذر): محسن بديعي / جناس ناقص يعطي جرساً موسيقياً يطرب الأذن.

(فَكُن على حَذر): أسلوب إنشائي / أمر، غرضه: النصح والإرشاد.

(قد يَنفَعُ الحَذَرُ): استخدام (قد + الفعل المضارع ينفع) للشك في نفع المعرفة أمام قضاء الله؛ لأن الله غالب علي أمره.

(قد يَنفَعُ الحَذَرُ): إطناب بالتذييل يؤكد المعنى، والجملة فيها تعليل لما قبلها.

(حَذر - الحَذَرُ): تكرار للتوكيد.

(واستَخبِر): أسلوب إنشائي / أمر، غرضه: النصح والإرشاد.

(إذا عَمِيتَ): كناية عن الجهل وعدم المعرفة، وسر جمال الكناية: الإتيان بالمعنى مصحوباً بالدليل عليه في إيجاز وتجسيم.

(يَجلو العَمَى الخبر): استعارة مكنية حيث شبه الخبر بشخص يزيل ويجلي، وسر جمال الصورة: التشخيص، وصور العمى بشيء مادي يزال ويمحى، وسر جمال الصورة التجسيم.

(العَمَى): استعارة تصريحية، حيث صور الشاعر الجهل الذي يتخبط فيه الجاهل بالعمى، وسر جمال الصورة: التوضيح، وهي صورة توحي ببشاعة الجهل والتنفير منه.

(يَجلو العَمَى الخبرُ): أسلوب قصر بتقديم المفعول به (العمى) على الفاعل (الخبر) يفيد التخصيص والتوكيد والاهتمام بالمتقدم.

(قد يَجلو العَمَى الخبر): إطناب بالتذييل يؤكد المعنى، والجملة فيها تعليل لما قبلها.

تحذير من الظلم ودعوة الى التقوى والعلم:

مَن يَطلُبِ الجَورَ لا يَظفَر بحـاجَتهِ... وطالِبُ الحقِّ قد يُهـدَى له الظَّفَرُ
وفي الهُدَى عِبَرٌ تَشفَى القلوبُ بها.... كالغَيثِ يَنضِرُ عن وَسمِيِّه الشَّجـَرُ
وليسَ ذُو العِـلم بالتَّقوى كجاهلها .... ولا البَصيرُ كأعــمَى ما له بَصَرُ

معاني المفردات والتراكيب:

الكلمة معناها الكلمة معناها الكلمة معناها
يطلب المراد يريد الظفر الفور × الخسارة ذو صاحب
الجور الظلم × العدل الهدى الرشاد والهداية التقوى خشية الله × الفجور التبجح
يظفر يفوز × يخسر عبر عظات البصير جمع بصراء × الأعمى
حاجته مطلب حاجات حوائج حاج وسميه أول مطر الربيع أعمى الكفيف
طالب راغب تشفى تبرئ - تداوي بصر إدراك
الحق × الباطل الغيث المطر
يهدي يعطي ويمنح ينضر يخضر / يحسن

شرح الأبيات:

فمن كان جائراً ظالماً، فإنه لا يفوز بما يطلبه ومن كان عادلاً يسعى الى إحقاق الحق فهذا هو الذي له سبيل النجاح وفي الهداية عظات تريح القلوب وتحييها، مثلما يحيي المطر الشجر، وليس صاحب العلم التقي كالجاهل وليس البصير كالأعمى الذي لا يبصر شيئاً.

من اللمحات الفنية والجمالية:

(مَن يَطلُبِ الجَورَ لا يَظفَر بحاجَته): أسلوب شرط يفيد التأكيد أي التأكيد على حدوث الجواب (لا يَظفَر بحاجَته) إن تحقق الشرط (يَطلُبِ الجَورَ)

(لا يَظفَر): استخدام أداة النفي (لا) للدلالة على استمرارية فشل الباحث عن الظلم، و(لا يظفر) نتيجة لما قبلها.

(يَطلُبِ الجَورَ): استعارة مكنية حيث شبه الجور بشيء مادي يطلبه الإنسان، وسر جمال الصورة: التجسيم.

(وطالب الحق): استعارة مكنية حيث شبه الحق بشيء مادي يطلبه الإنسان، وسر جمال الصورة: التجسيم.

(يُهدَى له الظَّفَرُ): استعارة مكنية فيها تشبيه للظفر بالهبة والهدية، وسر جمال الصورة: التجسيم.

(يُهدَى له الظَّفَرُ): أسلوب قصر بتقديم الجار والمجرور (فيه) على نائب الفاعل (الظفر) للتخصيص والتوكيد.

(قد يُهدَى له الظَّفَرُ): إطناب بالتوضيح يؤكد المعنى لعبارة (طالب الحق).

(يُهدَىُ): بناء الفعل للمجهول إيجاز بالحذف؛ للدلالة على الفاعل وهو " الله ".

(الظَّفَرُ): معرفة للتعظيم فهو هدية الله لطالب الحق.

(البيت الرابع): بين شطريه محسن بديعي / مقابلة تبرز المعنى وتوضحه وتقويه بالتضاد.

(عِبَرٌ تُشفَى القلوبُ): استعارة مكنية حيث شبه العبر بالدواء الشافي للقلوب، وسر جمال الصورة: التجسيم.

(وفي الهُدَى عِبَرٌ): قصر للتخصيص والتوكيد.

(وفي الهُدَى عِبَرٌ.. كالغيث): تشبيه تمثيلي فيه تشبيه فعل الهداية في شفاء القلب كفعل المطر للشجر في جعله ينمو ويزداد خضرة ورونقاً وجمالاً، وسر جمال الصورة: التوضيح برسم الصورة.

(الغَيثِ): معرفة للتعظيم.

(ينضر عن وسميه الشجر): أسلوب قصر بتقديم الجار والمجرور (عن وسميه) على الفاعل (الشجر) يفيد التخصيص والتوكيد.

(تُشفَى - يَنضُرُ): مضارع للتجدد والاستمرار.

(وليسَ ذُو العِلم بالتقوى كجاهلها): تشبيه منفي ينفي فيه الشاعر أن يكون العالم التقي الورع كالجاهل الذي يتخبط في جهله، وسر جمال الصورة: التوضيح.

(ذُو العِلم - جاهِلِها): محسن بديعي / طباق يبرز المعنى ويوضحه ويقويه بالتضاد.

(ولا البصير كالأعمى): تشبيه منفي ينفي فيه الشاعر أن يكون المبصر المدرك كالأعمى الذي يتخبط في طريقه، وسر جمال الصورة: التوضيح.

(البَصيرُ): استعارة تصريحية، حيث صور الشاعر الإنسان المدرك المهتدي بالبصير، وسر جمال الصورة: التوضيح.

(أعمَى): استعارة تصريحية حيث صور الشاعر الإنسان الجاهل الذي يتخبط في جهله بالأعمى، وسر جمال الصورة: التوضيح.

(البَصيرُ- أعمَى): محسن بديعي / طباق يبرز المعنى ويوضحه ويقويه بالتضاد.

نقد: يؤخذ على الشاعر قوله: (ما له بصر) بعد (أعمى) فهي مجلوبة للقافية؛ لأنها لم تضف جديداً للمعنى، ويجوز أن نقول إن التعبير بـ (ما له بصر) إطناب بالتفسير بعد قوله: (أعمى).

دعوة للرشاد والقرآن والعلم:

والرُّشـدُ نافلةٌ تُهدَى لصاحِــبِها .... والغَيُّ يُكرَه منه الوِردُ والصَّـدَرُ

والذِّكرُ فيه حَـــيَاةٌ لِلقُلُوبِ كما .... يُحـيِي البِلادَ إذا ما ماتَت المَطَرُ

والعِلمُ يَجلُو العَمَى عن قلبِ صاحبِه ... كما يُجلي سـوادَ الظُّلمةِ القَمَرَُ

معاني المفردات والتراكيب:

الكلمة معناها الكلمة معناها الكلمة معناها
الرشد الهدى × الضلال صاحبها مالكها الورد الاتيان والذهاب إليه × الصدر
نافلة هبة الغي الضلال × الهدى الصدر الانصراف والرجوع عنه × الورد

شرح الأبيات:

إن التعقل هبة يمنحها الله للإنسان، وإن الضلال مكروه في كل الأوقات، فالذكر يحيي القلوب مثلما يحيي المطر البلاد بما فيها ومن فيها، كما أن العلم يزيل الجهل وعمى البصيرة عن قلب صاحبه كما يمحو نور القمر ظلام الليل.

من اللمحات الفنية والجمالية:

(والرُّشدُ نافلة): تشبيه للرشد بالهدية أو الهبة التي يمنحها الخالق لكل عاقل حكيم، وسر جمال الصورة: التجسيم.

(نافلة تُهدَىٌ لصاحبها): استعارة مكنية للنافلة بالهدية أو الهبة، وسر جمال الصورة: التجسيم. وكلمة (نافلة) استخدمت في صورتين وهذا يسمى خيالاً تركيبياً.

(تُهدَى): بناء الفعل للمجهول إيجاز بالحذف؛ للدلالة على الفاعل وهو " الله ".

(الرُّشدُ - الغَيُّ): محسن بديعي / طباق يبرز المعنى ويوضحه ويقويه بالتضاد.

(الورد - الصدر): محسن بديعي / طباق يبرز المعنى ويوضحه ويقويه بالتضاد.

(والذِّكرُ فيه حَيَاةٌ): أسلوب قصر بتقديم الجار والمجرور(فيه) على الخبر (حياة) يفيد التخصيص والتوكيد.

(والذِّكرُ فيه حياة للقلوب كما يُحيى البلادَ إذا ما ماتت المطر): تشبيه تمثيلي حيث صور الذكر في إحيائه للقلوب بالمطر الذي ينمو به النبات، وهي صورة توحي بأهمية القرآن في إعمار القلوب وإراحتها.

(كما يُحيى البلادَ إذا ما ماتت المطر): أسلوب قصر بتقديم المفعول به (البلادَ) على الفاعل (المطر) يفيد التخصيص والتوكيد.

(يُحيِي - ماتَت): محسن بديعي / طباق يبرز المعنى ويوضحه ويقويه بالتضاد.

(حَيَاةٌ - يُحيِي): محسن بديعي / جناس اشتقاقي ناقص يعطي جرساً موسيقياً يطرب الأذن

(والعِلمُ يَجلُو العمى): استعارة مكنية حيث صور العلم بالنور الذي يزيل عمى القلب.

(العمى): استعارة تصريحية حيث صور الجهل والضلال بالعمى الذي يزال بالعلم.

(والعِلمُ يَجلُو العَمَى عن قلبِ صاحبِه كما يُجلي سوادَ الظُّلمةِ القَمَرَُ): تشبيه تمثيلي حيث شبه حال العلم وهو يكشف ويزيل الجهل بحال القمر وهو يزيل الظلام، والصورة فيها توضيح لأهمية العلم في حياة كل إنسان (وتجري الصورة مجري الحكمة).

(العلم - العمى): محسن بديعي / طباق يبرز المعنى ويوضحه ويقويه بالتضاد.

(الظلمة - القمر): محسن بديعي / طباق يبرز المعنى ويوضحه ويقويه بالتضاد.

(يُجلّي سوادَ الظُّلمةِ القَمَرُ): أسلوب قصر بتقديم المفعول به (سواد الظلمة) على الفاعل (القمر) يفيد التخصيص والتوكيد.

التعليق العام على النص:

الفن: الشعر الغنائي.

الغرض: النصح والارشاد.

العصر: تنتمي القصيدة للعصر الأموي.

العاطفة: تسود الأبيات مشاعر التقى والورع والإيمان وكراهية الضلال والجهل.

الأساليب: نوع الشاعر بين الأساليب الإنشائية والخبرية لإضفاء الحيوية والإثارة والقوة على ابياته لكنه أثر الأساليب الخبرية في معظم أبياته للوصف والتقرير.

الفكر: جاءت مرتبة دارت كلها حول النصح والإرشاد.

السمات الأسلوبية للشاعر:

  • التأثر بالثقافة الدينية.
  • الإقناع بصور الحكمة والنصح.
  • المباشرة والخطابية والتقرير.
  • استخدام المحسنات البديعية مثل: الطباق والمقابلة.
  • وضوح اللغة وسلاسة العبارة.
  • تنوع الأساليب بين الخبري والإنشائي.

الملامح الشخصية للشاعر:

  • صاحب ثقافة دينية واجتماعية.
  • كان فقيهاً محدثاً حكيم مجرب للحياة.
  • حريص على تقديم النصيحة.