النسور - لمحمد ابراهيم أبو سنة

التعريف بالشاعر:

محمد إبراهيم أبو سنة شاعر من شعراء الجيل الثاني لمدرسة الواقعية في الشعر الجديد ولد سنة 1937 م في إحدى قرى الجيزة، وحفظ القرآن الكريم، تخرج في كلية اللغة العربية، وله عدة دواوين منها: البحر موعدنا - وأجراس المساء - ومرايا النهار - وشجر الكلام.

التجربة الشعرية:

الناس في مسلكهم في الحياة - كما يراهم الشاعر- نوعان:

  1. متمسكون بمبادئهم ويسعون إلى تحقيق أهدافهم ويتحملون الصعاب من أجل الوصول إلى طموحاتهم، وقد رمز الشاعر إلى هؤلاء بـ (النسور)التي هي رمز للكبرياء والقوة والطموح.
  2. كسالى خاملون مستسلمون لليأس والجبن ولحياة الماديات الزائلة، وقد رمز الشاعر إلى هؤلاء بـ (الأرانب)التي من طبيعتها الخوف والفزع والقفز والهرب وحب الأكل وإشباع المعدة.

نوع التجربة:

عامة؛ لأنها دعوة صادقة لكل إنسان أن يترك حياة الخاملين ويسعى إلى الطموح حتى ينهض بحياته وحياة أمته

س: لماذا جعل الشاعر النص أربعة مقاطع؟

جعل الشاعر النص أربعة مقاطع ليعقد أكثر من مقارنة توضح الفرق الهائل بين جانب العظمة والقوة والسمو والكفاح متمثلا في "النسور" وجانب الضعف والجبن والبهيمية متمثلا في "الأرانب".

  • النسورُ الطليقَةُ هائِمَة..
  • في الفضاءِ الرَّمادِي..
  • تَرْصُدُ مَوْقِعَها..
  • في أعَالِي الجبال..
  • إنها تتَذَكَّرُ شكلَ السُهُول..
  • بخُضْرَتِها
  • بتَدَفُّقِ غُدرانِها..
  • والأرانبُ تقفز..
  • في العُشْبِ مثلَ اللآل ..
  • تتذكَّرُ والجُوعُ يحرقُ أحشاءَها..
  • فتُسَدِّدُ نظرَتَها للمُحالِ..
  • تتَعالَى تُحَلِّقُ مثلَ الشمُوسِ التي
  • أفلَتَتْ من مَداراتِها..
  • يُصْبحُ الأفقُ مِلْكًا لها..

  • والنجومُ مناراتِها..

  • والخلودُ احتِمالْ..

  • عندَها تأخُذُ الكبرياءُ..

  • التي قتَلَتْ جوعَها..

  • تتَمَدَّدُ … تنسَى..

  • ترابَ السهولِ..

  • اخْضِرارَ الحقول

  • انْبِساطَ الرِّمالْ

    اللغويات:

    الطليقة: الحرة × الحبيسة ، المقيدة - هائمة : حائرة والمراد ذاهبة - الفضاء : ج أفضية- ترصد : تراقب - السهول : م سهل وهي الأرض الممتدة المستوية - غُدْرانها : م غدير ، وهو النهر الصغير - العشب : النبات الرطب ج أعشاب - اللآل : الدر م اللؤلؤ - يحرق أحشاءها : أي يؤلمها - الأحشاء : م حَشاً ، ويشمل كل ما في البطن - تسدد : توجه - المحال : المستحيل والمراد :الأمل البعيد × الممكن - تتعالى : ترتفع - الأفق : أي الفضاء ج آفاق - منارات : م منارة وهي ما تهتدي به السفن - الخلود : الدوام - احتمال : ممكن - الكبرياء : عزة النفس - تتمدد : تزداد طولاً - انبساط : انتشار.

    الشرح:

    السطور من (1 - 9):

    يعبر الشاعر في هذا المقطع عن حياة الأحرار الطموحين المتطلعين للمثل العليا ولتحقيق آمالهم في الحياة فهم كالنسور الطليقة التي تعشق الحرية، وتعلو في الفضاء، وتراقب مواقعها التي انطلقت منها في أعالي الجبال، وتتذكر ما حول الجبال من سهول خضراء ومياه جارية؛ حيث يعيش الضعفاء الخاملون قانعين بكسرة الخبز وشربة الماء في حياة الدعة(الراحة) والخمول كأنهم الأرانب تقفز بين الأعشاب الطرية.

    السطور من (10 - 22):

    هذه النسور (أهل الطموح) تتذكر حياة الخاملين البائسة، فلا تعبأ (تهتم) بالجوع الذي يؤلمها ويمزق أحشاءها، فتصر على التطلع إلى الأمل البعيد الصعب المنال، كأنه المستحيل، وتظل في طموحها وارتفاعها كأنها الشمس التي تحررت من حدود مداراتها، فأصبح الفضاء ملكا لها، فهذه النسور تستنير بالنجوم، باحثة عن الأبدية والخلود في كبرياء ينسيها جوعها المؤلم، وينسيها كل ما قد يربطها بحياة الضعفاء حياة الدعة (الراحة) التي يعيشونها كالأرانب التي تعيش في تراب السهول وخضرة الحقول والرمال الممتدة تاركة الطموح.

    التذوق:

    • [النسور]: استعارة تصريحية، فقد شبه أصحاب الطموح بالنسور في الانطلاق نحو الهدف وتوحي بالقوة والكبرياء.
    • و (النسور) جاء جمعاً؛ للدلالة على كثرة الأحرار أصحاب المثل العليا والمبادئ.
    • [النسور هائمة]: استعارة مكنية، حيث صور النسور بإنسان يهيم، وسر جمالها التشخيص.
    • نقد: [هائمة]: غير ملائمة للجو النفسي؛ لدلالتها على السير بدون هدف، والنسور بالتأكيد لها هدف واضح ومحدد.
    • [هائمة في الفضاء الرمادي]: كناية عن الحيرة والقلق وعدم الرؤية الدقيقة.
    • [النسور ترصد موقعها - أنها تتذكر]: استعارة مكنية، حيث صور النسور بأشخاص ترصد وسر جمالها التشخيص وتوحي بالترقب والحذر. والخيال هنا ممتد، جاء بصفات النسور وذلك يسمى ترشيحًا للصورة يقوى ما سبق.
    • [غدرانها]: مجاز مرسل عن الماء علاقته: المحلية، فالماء هو الذي يتدفق وليس الغدران
    • [الأرانب]: استعارة تصريحية، فقد شبه الماديين الخاملين بالأرانب في الضعف والجبن والهروب والرغبة في إشباع الغريزة، وسر جمالها توضيح الفكرة برسم صورة لها
    • [الأرانب مثل اللآل]: تشبيه للأرانب المتناثرة بين العشب باللآلئ البيضاء المتناثرة ويؤخذ عليه أن هذا التشابه شكلي وليس له أثر فني، بل يناقض الموقف إذ أن اللآلئ لها قيمة لا توجد في الأرانب كما تناقض الجو النفسي فالأرانب هنا تمثل نوعا من الناس مكروها لدى الجميع بينما اللآلئ محبوبة.
    • [النسور تسدد نظرتها للمحال]: استعارتان مكنيتان: الأولى تصور النظرة سهاما توجه وتصوب وفيها تجسيم، وتوحي بصحة الرأي والثانية تصور المحال شيئا مجسما يوجه إليه النظر، وسر جمالها التجسيم.
    • [النسور تحلق مثل الشموس التي أفلتت من مداراتها]: تشبيه للنسور في تحليقها بالشموس المضيئة التي تحررت من قيود مداراتها فلم تعد تدور في حدود ضيقة مرسومة لها، وسر جمالها التوضيح وتوحي بالسمو.
    • [الشموس التي أفلتت]: استعارة مكنية، حيث صور الشمس بإنسان يتحرر وتوحي بالحرية والانطلاق وسر جمالها التشخيص
    • [يصبح الأفق ملكا لها - والنجوم مناراتها]: تجريد؛ لأنه أتبع الصورة ببعض صفات المشبه(النسور)
    • [النجوم مناراتها]: تشبيه للنجوم بالمنارات في الاهتداء بها وسر جماله التوضيح.
    • [الكبرياء التي قتلت جوعها]: استعارتان مكنيتان: في الأولى شبه الكبرياء بإنسان أو آلة تقتل، وفي الثانية: شبه الجوع بإنسان يُقتل.
    • [الكبرياء تتمدد]: استعارة مكنية، فيها تشخيص حيث تخيل الكبرياء إنسانا يتمدد.
    • [تنسى]: استعارة مكنية، فيها تشخيص حيث تخيل الكبرياء إنسانا ينسى.
    • من المحسنات البديعية:
    • (المقابلة): بين الاتجاهين في حياتنا المعاصرة (حياة الطموح والحرية والإباء) في جانب النسور و (الضعف والخمول والجبن) في جانب الأرانب.
    • [أعالي الجبال - السهول]: محسن بديعي / طباق، يبرز المعنى ويوضحه بالتضاد.
    • [مداراتها- مناراتها]: محسن بديعي / جناس ناقص.
    • [الشموس - مداراتها- النجوم]: مراعاة نظير تثير الذهن.

    في المضيقِ العميقِ الأرانبُ..
    قابعةٌ في انتظارِ المصيرِ المدَجَّجِ بالموتِ..
    تأكلُ أعشابَها بالفِرارِ..
    إلى الجُحْرِ..
    ترجُفُ بالخَوْفِ بينَ الظلالْ

  • اللغويـات:

    المضيق: المكان الضيق ج مضايق - العميق: المنخفض - قابعة: أي مقيمة في ذل ج قوابع - المصير: النهاية ج المصائر - المدجج: المغطَّى والمراد في انتظار الموت - ترجف بالخوف: ترتعد × تطمئن، تأمن.

  • الشرح:

    ينظر الشاعر بعين المتأمل الفاحصة فيلتقط مشهدا آخر غير مشهد الطموح والكفاح (النسور المحلقة في الفضاء) ، ألا وهو مشهد الجبناء الضعفاء الأذلاء القابعين في مكان ضيق منخفض، ينتظرون نهايتهم المكتوبة عليهم، يعيشون كالأرانب التي تأكل الأعشاب المحيطة بجحرها، وتبادر بالفرار إلى الجحر لتختفي في ظلاله وهي ترتعد من الخوف.

    التذوق:

    [في المضيق العميق الأرانب قابعة]: أسلوب قصر يفيد التخصيص والتوكيد.

    [الأرانب]: استعارة تصريحية، فيها توضيح للفكرة برسم صورة لها حيث شبه الجبناء بالأرانب.

    [في انتظار المصير]: استعارة مكنية، تصور المصير إنساناً يُنتظر.

    [المصير المدجج بالموت]: استعارتان مكنيتان حيث صور المصير بإنسان مغطى بالسلاح وسر جمالها التشخيص. وفي الثانية تخيل الموت سلاحاً يغطى هذا المصير.

    [تأكل أعشابها بالفرار]: استعارة مكنية، حيث صور الفرار الذي يطيل أجلها بأداة تأكل به أعشابها وسر جمالها التجسيم.

    النسورُ الطليقةُ في الأفقِ..
    تعرفُ مصرَعَها..
    والعيونَ التي تتَرَصَّدُها..
    والنِّصالَ التي تتعاقَبُ..
    خلفَ النِّصالْ

    اللغويات:

    مصرعها: نهايتها ج مصارع - تترصدها: تترقبها - النصال: م نَصْل وهو سن السكين أو الرمح، والسيف - تتعاقب: تتوالى وتتابع × تتوقف، تنقطع.

    الشرح:

    يعود الشاعر إلى تمجيد الأحرار والإعجاب بشجاعتهم فهم يحلقون أحرارا في الأفق الفسيح بأفكارهم وآرائهم الجريئة ولكنهم على علم بالنهاية الشريفة للأحرار، وعلى وعي بما يدبر لهم وبالعيون التي تترقبهم والمكايد التي تتوالى عليهم الواحدة تلو الأخرى، وهم صامدون لا يخافون من مهاجمة الحاقدين.

    التذوق:

    • [النسور]: استعارة تصريحية، حيث صور الأحرار الطامحين إلى المجد بالنسور.
    • [تعرف مصرعها]: استعارة مكنية، حيث صور النسور بأشخاص تعرف من يترصدها (يترقبها) بالموت.
    • [العيون]: مجاز مرسل عن "الرقباء" علاقته الجزئية، وسر جمال المجاز المرسل: الإيجاز والمبالغة المقبولة والدقة في اختيار العلاقة.
    • [النصال]: استعارة تصريحية، فقد شبه المكايد التي تدبر لهم بالنصال التي يطعن بها في القتال وسر جمالها التجسيم.
    • [النصال التي تتعاقب خلف النصال]: كناية عن كثرة الحاقدين والمهاجمين،
    • والشاعر متأثر في ذلك بقول المتنبي:
    • ولكن بيت المتنبي أجمل لأنه جعل النصال تنهال بكثرة على جسمه فلم يعد فيه مكان خال بدون نصل، أما هنا فالنصال تتعاقب خلف بعضها فالصورة هنا أضعف.

    النُّسورُ الطليقةُ في الأفقِ

    تَرْفَعُ هاماتِهاَ وتحلِّقُ

    تَعْلُو وتخْفقُ بالزَّهو

    لا تتذكَّرُ خُضْرَ السُّهولِ

    بخْيراتِها.. تتعقَّبُ

    وَرْدَ الذُّرا

    في الفضاءِ السحيقِ

    وحُلْمَ الكمَالْ

    اللغويات:

    هاماتها: رؤوسها م هامة - تحلق: ترتفع - تخفق: تتحرك- الزهو: الفخر - تتعقب: تتتبع - الذُّرا: م ذروة وهي أعلى الشيء - السحيق: البعيد × القريب - حُلْمَ الكمَالْ: الأمل العظيم.

    الشرح:

    النسور التي يرمز بها الشاعر إلى الطامحين - تنطلق في الأفق الممتد أمامها معتزة بنفسها - بين ارتفاع وانخفاض، يملؤها الزهو والفخر، لا تعبأ (لا تهتم) باخضرار السهول وخيراتها - التي ترمز إلى حياة الدعة والسكون والخمول - وهذه النسور تمضي إلى القمة في الفضاء البعيد سعيا إلى تحقيق حلم الكمال الذي يرمز إلى كل الأمنيات الصعاب.

    التذوق:

    [ترفع هاماتها]: استعارة مكنية، تصور النسور أشخاصا يرفعون رءوسهم اعتزازا وتوحي بالعظمة والكبرياء.

    [تخفق بالزهو]: استعارة مكنية، تصور الزهو بالقوة الدافعة التي تحرك وتوجه إلى العلا، وسر جمالها التجسيم

    [لا تتذكر]: استعارة مكنية، صور النسور بأشخاص.

    [تتعقب]: استعارة مكنية، صور النسور بأشخاص.

    [ورد]: استعارة تصريحية، حيث شبه الآمال السامية بورد القمم العالية.

    [تتعقب حلم الكمال]: استعارة مكنية، حيث صور حلم الكمال شيئاً مادياً ثميناً.

    التعليق:

  • اللون الأدبي: يعتبر هذا النص من الأدب الاجتماعي؛ لأنه يدعو إلى الطموح والإصرار على الوصول إلى الآمال العظيمة وينفر من حياة الذل والضعف والاستسلام.

    الوحدة العضوية: لقد تحققت في القصيدة الوحدة العضوية بعناصرها وهي:

    1. وحدة الموضوع: لأن الشاعر يتحدث في القصيدة عن موضوع واحد هو الدعوة إلى الطموح والإصرار والتنفير من الخمول والضعف والجبن.
    2. وحدة الجو النفسي: تسيطر على الشاعر عاطفة الإعجاب والاعتزاز والحث مع قليل من السخرية والتنفير.
    3. ترتيب الأفكار: رتب الشاعر أفكاره وبنى قصيدته بناء فكرياً تصاعدياً ولذلك فكل مقطع يعتبر نتيجة لما قبله

    الألفاظ: سهلة واضحة قريبة من لغة الحياة لكنها تميل إلى الرمز، والعبارات متدفقة وتقل فيها المحسنات.

    الصور: تجمع بين التصوير الكلى وخطوطه الصوت واللون والحركة - والجزئي من تشبيه واستعارة وكناية ومجاز.

    الموسيقا: ظاهرة في التفعيلة لكنها تتكرر بغير نظام مع التحرر من القافية؛ لأن النص من مدرسة الشعر الجديد.

    ملامح التجديد في النص:

    1. وضع عنوان للنص.
    2. الموضوع الجديد المختار من حياة الإنسان المعاصر.
    3. الاعتماد على التفعيلة والسطر الشعري دون التزام بعدد معين من التفعيلات في السطر الواحد.
    4. عدم الالتزام بقافية موحدة، وإن كان هناك بعضها قد تكرر في عدد من السطور بدون نظام مثل: "هاماتها- خيراتها".
    5. استخدام الرمز الواضح.
    6. تقسيم النص إلى مقاطع.
    7. رسم الصور الكلية - والاعتماد على الوحدة العضوية.