الموضوع الأول: طبيعة الموقف الفلسفي

الموضوع الأول: طبيعة الموقف الفلسفي

أولاً: مفهوم الموقف الفلسفي:

يتعرض الإنسان طوال مراحل حياته للعديد من القضايا والمواقف والمشكلات والتحديات منها ما هو أخلاقي، وسياسي، واجتماعي.. فالبعض منا تمر عليه هذه الأمور، مرور الكرام دون انتباه وعلى النقيض يقف البعض وقفة تأمل متعجباً ومندهشاً ومتسائلاً.. باحثاً عن ماهية هذه الأمور وحقيقتها.

ويقصد بكلمة (موقف):

هو النظرة العامة أو التوجه العام للشخص المتفلسف، حينما يتناول أمر يثير تفكيره بما يشمل اهتماماته واختياراته، ولكل موقف خصوصية وحساسية معينة.

مثال: موقف الطبيب ليس كموقف الأم إزاء مرض طفلها، وموقف الناقد الأدبي ليس كموقف النحوي أمام نص شعري.

إن الموقف الفلسفي ليس كما يتوهم البعض يؤدي إلى ابتعادنا عن الحياة ولكن:

  1. الموقف الفلسفي يتيح لنا قدرة أكثر فاعلية وإيجابية للتمرس بمواقف الحياة العملية، نتيجة لما يزودنا به من آراء نصل إليها بالتحليل الفلسفي والنظر النقدي.
  2. الموقف الفلسفي يبعدنا عن مجرد الوقوف عند المستوى السطحي للأفكار، ولكن معرفة أصل الأشياء.

مثال: إذا كان سطح البحر حميلاً رائعاً، فإن الغوص إلى باطنه وقاعه يتيح لنا فرصة أجمل وأكثر روعة ففي باطنه الكنوز والجواهر الثمينة.

ثانياً: الموقف الفلسفي بين الإنسان العادي والفيلسوف

وجه الاختلاف الإنسان العادي الفيلسوف
نوع الحكمة يمارس درجة من درجات التفلسف، لكنها تقتصر على تقديم نوع من (الحكمة العملية) التي تكون نتيجة تراكم خبراته.

يقدم نوعاً من الحكمة تسمى (بالحكمة النظرية) فالفيلسوف يقدم تحليلاً شاملاً لمشكلاتنا العامة وليس لمشكلاته الخاصة.

لغة التعبير يعبر عن فلسفته العملية باللغة البسيطة التي يستخدمها في حديثه اليومي. يعبر عن فلسفته مستخدماً المصطلحات الفلسفية الدقيقة.
أسلوب التعبير (الاختصار) الشديد للعبارة، حيث يعبر الحكيم عن خلاصة تجربته الطويلة بعبارة واحدة قصيرة. يمتاز بقدرته الكبيرة على التحليل والنظر في التفاصيل ورد كل الظواهر إلى أسبابها البعيدة.
مدى الاتساق الحكمة العملية تأتي متفرقة وأحيانا متناقضة مع بعضها البعض.

تتميز المذاهب الفلسفية:

  1. بالإحكام العقلي، الذي يقوم على التنظيم الدقيق للأفكار.
  2. بالتتابع المنهجي المصحوب بالأدلة.

ملحوظة: هذه الفروق تقل إذا تعلمنا من الفيلسوف هذه المميزات:

  • استخدام مصطلحات دقيقة في التفكير بشرط أن يكون هناك اتفاق على معناها.
  • أن نحلل الأفكار وردها إلى أصولها حتى تكون واضحة.
  • أن نعبر عن أفكارنا بطريقة منهجية بحيث تأتي النتائج متسقة مع المقدمات.

ثالثاً: خصائص الموقف الفلسفي:

للموقف الفلسفي خصائص تميزه عن غيره من المواقف الأخرى منها:

1- تسم بالدهشة:

يرى الفيلسوف كل شيء بشكل مختلف يثير دهشته، وهو ما يدفعه إلى محاولة الفهم والتفسير بالعقل.

2- تساؤلي: أي يعتمد على السؤال الفلسفي.

  • فالفلسفة لا تعطي الجواب النهائي القاطع، لأن في الجواب النهائي نهاية الفلسفة ذاتها.
  • فالفلسفة تضع الأشياء دائما في صيغة سؤال، للوصول إلى الحقيقة.

3- يتسم بالتروي والصبر الطويل:

فالشخص المتفلسف هدفه الحقيقة ومعرفة هذه الحقيقة تتطلب التأني والصبر لتأمل كل جوانب الموضوع للوصول إليها.

4- يتسم بالبصيرة:

  • فالفيلسوف يعرف أن الأشياء ليست دائماً على ما تبدو عليه، فما يبدو مهماً قد لا يكون كذلك والعكس صحيح.
  • فالفيلسوف لا يقبل الأفكار في شكلها الظاهري، فهو يبحث عن جوهر وحقيقة الشيء.

5- يتسم باليقظة الدائمة، واليقظة تعني:

  • القدرة على التمييز وعدم الانخداع بالظاهر.
  • الوعي المتصل بالموقف الفلسفي.
  • حسن التوقع والانتظار لما هو جديد.
  • القدرة على التمييز بين الرئيسي والفرعي في الموقف الفلسفي.

6- الحوار وقبول النقد:

  • يعي الفيلسوف مبدأ المساواة بين عقله وعقول الآخرين، فكل ما يقوله قابل للنقد والرد عليه من جانب الآخرين وهذا عكس موقف الفنان، الذي يرفض تدخل أحد في عمله حتى ينتهي منه ويقدمه للجمهور ليحكم عليه.

7- المصارحة:

  • يلتزم الفيلسوف بالمصارحة مع الآخرين احتراماً للحقيقة ذاتها قبل كل شيء.

8- نسقي:

  • يسوده الانسجام، والنظام، والتناسق بين مكوناته، وذلك عكس الفوضى، والتفكك، والتناقض.

رابعاً: الموقف الفلسفي مرآة الواقع عبر العصور

لقد عبرت الفلسفة عن اكتشاف الإنسان لنفسه وتساؤله عن ماهيته، ومن ثم بدأت التساؤلات عن أهم الفضائل التي ينبغي أن يتحلى بها الإنسان وقد تطور الموقف الفلسفي عبر العصور المختلفة كالتالي:

العصر اليوناني العصر الوسيط العصر الحديث العصر الراهن
  • جسد مبدأ سقراط (اعرف نفسك).
  • طبيعة الموقف الفلسفي في هذا العصر.
  • ويعبر هذا المبدأ عن اكتشاف الإنسان لنفسه وتساؤله عن ماهيته.
  • وهذا ما جعل الفلاسفة يقدمون حلولاً مختلفة للمشكلات الأخلاقية والسياسية والاجتماعية.
  • ظهرت في هذا العصر الديانة المسيحية وبعدها ظهر الإسلام.
  • المشكلة التي واجهت الفلاسفة هي كيفية التوفيق بين ما جاءت به الأديان السماوية وبين ما قال به فلاسفة اليونان (أمثال: أفلاطون، وأرسطو).
  • قال فلاسفة المسيحية إن الفلسفة هي طريق الإيمان، وأنه لا تناقض بين الفلسفة والدين المسيحي:
  • حاول فلاسفة الإسلام إثبات أن ما أتي به الإسلام يتوافق مع العقل، وأن ما توصل إليه الفلاسفة حول أصل الوجود وطبيعة الإنسان أكدته المبادئ الإسلامية وذلك دليل على عمومية هذه المبادئ وصلاحيتها لكل زمان ومكان وإن العقل سيوصل كل مفكر إلى الإيمان بوجود الله ووحدانيته وان الثواب والعقاب في الآخرة يستند إلى أفعال الإنسان في الحياة.
  • كانت الدعوة الأساسية الفلاسفة في بداية العصر الحديث الاتجاه إلى مناهج علمية وفكرية جديدة تقود التقدم في مختلف مجالات الحياة.
  • دعوة (دیکارت وبيكون) إلى تجديد الفكر الإنساني عن طريق الشك في كل شيء حتى يتمكن العقل من قبول الحقيقة على أساس واضح.
تهتم الفلسفة في العصر الراهن بالقضايا الحياتية والفنون (مثل: السينما، المسرح، الموسيقى) وقضايا المرأة، وما يسمى الآن بالفلسفة النسوية، وقضايا الأخلاق التطبيقية، كقضايا الاستنساخ والهندسة الوراثية، لذلك نادت الفلسفة بمراعاة التوازن بين مطالب الإنسان المادية والروحية.

خامساً: تحديات الموقف الفلسفي:

يواجه الموقف الفلسفي العديد من التحديات أهمها:

  • الخضوع للمألوف والمعتاد:

يقوم الموقف الفلسفي على الحرية في التعبير عن الرأي، فإذا ما خضع المرء للتقليد، حاد عن أول الطرق المؤدية إلى الموقف الفلسفي.

  • الخضوع للسلطات:

إن العقل الخاضع لسلطة ما أعمى، فالخضوع للسلطة يفقد صاحبه الاستقلال، وعدم الالتزام بالحقيقة.

  • النظرة الأحادية للأمور:

تؤدي إلى غياب الروح النقدية، والقبول للمعتاد والمألوف، والتسليم باليقين الجاهز.

  • الافتقار إلى الشجاعة الفكرية:

إن الاستقلال والحرية تقوم على الشجاعة الفكرية والرغبة في المعرفة وحب الاستطلاع هما نتيجة لروح الشجاعة الفكرية.