الموضوع الثالث: فلسفة الأخلاق "ماهيتها ومذاهبها"
أولاً: نشأة فلسفة الأخلاق:
- إن النشأة الحقيقية الأولى للأخلاق تعود إلى حكماء الشرق القديم الذين اهتدوا منذ الماضي القديم بالتفكير النظري أو الديني إلى وجهات نظر في الضمير والأخلاق وخيرية الأفعال الإنسانية وشرها.
- أما فلسفة الأخلاق كفرع للفلسفة فقد نشأت في عصر سقراط والسوفسطائيين خلال القرنين الخامس والرابع قبل الميلاد، ثم تتابعت المذاهب الأخلاقية لدى الفلاسفة بعد ذلك منذ أفلاطون وأرسطو أعظم فلاسفة اليونان.
ثانياً: حول الأخلاق وفلسفة الأخلاق:
يمكن أن نحصر الاستخدامات المختلفة لكلمة الأخلاق في ثلاثة معان رئيسية هي على النحو التالي:
- الأول:
- قد تعني كلمة الأخلاق طريقة أو أسلوباً معيناً في الحياة.
- فهو أقرب إلى الأخلاق الدينية التي تحاول أن تجعل القيم الأخلاقية أسلوبا في حياة الناس، فيقولون الصدق، ويردون الأمانة، ويتعاون بعضهم مع بعض (فالدين المعاملة).
- الثاني:
- وقد تعني مجموعة معينة من قواعد السلوك تربت عليها الأجيال.
- فهو يشير إلى مجموعة القواعد والنصائح الأخلاقية التي يربي عليها النشء في المدارس أو يعمد الآباء إلى غرسها في أبنائهم في المنزل.
- الثالث:
- وقد تعني البحث في طرق الحياة وقواعد السلوك.
- فهو يشير للأخلاق باعتبارها فرعاً للفلسفة، ومهمته دراسة الفضائل (أو الرذائل) دراسة عقلية خالصة، فيشرح الأسس التي تقوم عليها الأخلاق (فلسفة الأخلاق).
ثالثاً: معنى المذهب الأخلاقي:
- إن المذهب الأخلاقي يمثل رؤية الفيلسوف الجوهر السلوك الأخلاقي الفاضل وكل فيلسوف صاحب مذهب أخلاقي مرتبط برؤيته الفلسفية الخاصة.
ملحوظة: تعددت المذاهب الأخلاقية بسبب اختلاف فلاسفة الأخلاق في تفسيرهم الأساس المذهب الخلقي.
رابعاً: المذاهب الأخلاقية:
انقسم فلاسفة الأخلاق من قديم الزمان في تفسيرهم الأساس المذهب الخلقي، وذهبوا في ذلك مذاهب شتى، وسنعرض فيما يلي مجموعة من هذه المذاهب الأخلاقية.
المذهب العقلي | المنفعة العامة | الاجتماعي الوضعي | مذهب الضمير | مذهب الواجب |
سقراط - أفلاطون - أرسطو - الرواقية | جيرمي بتنام ومل | أوجست كونت ودوركايم وليفي بريل | شافتسيري - بطلر | كانط |
العقل الإنساني هو مصدر المذهب الأخلاقي، فالحياة الفاضلة هي التي تجرى وفق عقل سليم ومن ثم يتحقق الخير. | مصدر الأخلاق هو الجزاء، سواء كان النفع أو الألم - فالإنسان يسعى إلى ما يسبب النفع ويبتعد عما يسبب الألم. | المجتمع هو مصدر المذهب الأخلاقي عن طريق ما يعرف بالعقل الجمعي. | المذهب الأخلاقي ينبع من داخل الفرد، ومصدره الضمير. | الواجب العقلي هو محور الأخلاق وليس السلطة الخارجية أو المنفعة. |
هذا وسوف نقتصر فيما يلي على الملامح العامة لهذه المذاهب:
1- المذهب العقلي لدى فلاسفة اليونان
- أثار السوفسطائيون المشكلة الأخلاقية عندما قال أحد زعمائهم (بروتاجوراس)، إن الإنسان الفرد هو معيار الأشياء جميعاً، فإن قال عن شيء إنه خير فهو خير بالنسبة له، وإن قال عن شيء إنه شر فهو شر بالنسبة له.
- أقر (السوفسطائيون) إذن نسبية الفضائل الأخلاقية، وأصبح لا يوجد خير مطلق، أو شر مطلق، فأي شيء يمكن أن يكون خيراً وشراً في آن واحد حسب ما ينفعني كفرد.
- هذا هو الذي دفع (سقراط) للثورة على (السوفسطائيين) ورفضه لرؤيتهم النفعية حيث أكد على أن العقل هو أساس الأخلاق، ومعيار التمييز بين الخير والشر.
- ومن هنا رأى (سقراط) أن الفضيلة واحدة وإن تعددت أسماؤها، فالصدق فضيلة، والتقوى فضيلة.
- فالفضيلة عند سقراط هي إدراك الخير، فهي علم ينبع من ضمير الإنسان وعقله وإن كان يظهر في سلوكه.
- وقد أكد أفلاطون على مذهب سقراط حينما قال إن (للخير مثالاً واحداً ينبغي على الإنسان العاقل الواعي إدراكه وإذا أدركه غير من سلوكه، فيصير فاضلا على الدوام).
- الإنسان عند (أفلاطون) تتصارع بداخله قوى ثلاث للنفس، إن تحكم فيها (العقل) صار متمتعاً بالفضيلة على النحو التالي:
القوة | فضيلتها |
الشهوانية | وهي مجموعة غرائزه وشهواته فإن تحكم العقل فيها صار متمتعا بفضيلة العفة. |
الغضبية | وإن تحكم العقل في هذه القوة صار متمتعا بفضيلة الشجاعة. |
العاقلة | وهذه القوة أن تحكم العقل بها في القوتين يكون متمتعاً بفضيلة الحكمة. |
ملحوظة: وتحلى الإنسان بهذه الفضائل العقلية الثلاث (الحكمة، الشجاعة، العفة) يعني تحلى الإنسان بفضيلة العدالة، وهي رأس الفضائل الأخلاقية عند أفلاطون. |
تعقيب على المذهب العقلي:
- اتفق أصحاب المذهب العقلي، على أن الله ميز الإنسان بالعقل لذلك عليه أن يستجيب لإملاء عقله، ويعزف عن نداء شهواته.
- لكن منهم من أسرف في تقدير العقل ومكانه، وطالب بإماتة الجانب الحسي والعواطف.
- حياة الإنسان لا تستقيم بغير مراعاة ما في طبيعته من دوافع فطرية، وما تهيأ له من عواطف مكتسبة.
2- مذهب المنفعة العامة في العصر الحديث:
- يرى أصحاب هذا المذهب أن الإنسان بطبيعته وفطرته يلتمس سعادته في كل ما يقوم به من أفعال.
- يرى قدماء ذلك المذهب ان الانسان أناني بطبعه وفطرته، ولذلك ينبغي ان ينشد الإنسان في كل تصرف يقد عليه تحقيق لذه أو منفعة أو تفادي ألم.
- ثم ذهب المحدثون من أصحاب هذا المذهب (بنتام ، وجون ستيوارت مل) إلى توسيع دائرة المنفعة لتعميم تحقيق السعادة للفرد ولأكبر عدد من الناس.
تعقيب على مذهب المنفعة:
- إن الإنسان بطبعة وفطرته يهدف إلى تحقيق المنفعة والمصلحة، فما حاجته بعد هذا إلى مذهب أخلاقي يرش إلى كمالة الإنساني؟ يجب على الإنسان ألا ينشد السعادة إلا حين تتفق مع الواجب ولا تتنافى مع منطق العقل.
3- المذهب الاجتماعي الوضعي:
- رفضت الفلسفة الوضعية (كونت ودوركايم وبريل) النظرة التقليدية في علم الأخلاق باعتباره علماً معيارياً يبحث فيما ينبغي أن يكون عليه السلوك الإنساني.
- ورأت الفلسفة الوضعية أن علم الأخلاق هو علم العادات أو الظواهر الخلقية كما هي موجودة بالفعل في مجتمع معين.
- لذلك أصبح علم الأخلاق فرعا من فروع علم الاجتماع، وبهذا يصبح المجتمع هو المصدر الأعلى للقيم، والمرجع الأسمى لكل سلطة أخلاقية.
- فالإنسان عضو في المجتمع يرث تقاليده، ويتلقى تعاليمه ويخضع لمعاييره.
تعقيب على المذهب الاجتماعي الوضعي:
- الإلزام بهذا المعنى يعنى خضوع الفرد الكامل للمجتمع.
- وتبدو مغالاة الوضعيين في تصوير المجتمع على أنه هو المصدر الوحيد للقيم الأخلاقية عند الفرد، في حين أن للفرد نصيبه الملحوظ في وضع هذه القيم ومتجاهلين تماما دور الدين.
4- مذهب الضمير (بطلر)
- ذهب فريق من الفلاسفة إلى أن الأخلاق والسلوك الأخلاقي يعود إلى الضمير المقيم في نفس الإنسان، فهو الذي يوجب على كل إنسان أن يتصرف بوحيه، وأن يستجيب لندائه، ولا يعصي له أمراً.
- ولعل هذا الاتجاه في تفسير الأخلاق والمذهب الخلقي أوسع اتجاهات فلاسفة الأخلاق شيوعاً. (علل)
- وذلك لأنه يتردد في نفس الرجل العادي الذي لم يدرس الأخلاق دراسة نظرية مجردة.
- وهو اتجاه يلائم عامة المتدينين من الناس لأنهم يسلمون بوجود الضمير.
- ويعد (جوزيف بطلر) (1692-1752) أكثر فلاسفة مذهب الضمير انتشاراً وتأثيراً.
مفهوم الضمير عند بطلر:
- هو قوة فطرية كامنة داخل الإنسان تلزمه بضبط نزواته والحد من جموح أهوائه وشهواته، وتوجهه إلى حيث ينبغي أن يسير إليه. (يتميز عن الحيوان بهذا الضمير).
وظائف الضمير عند بطلر:
الضمير - كما رأينا - يمثل القوة العليا في الإنسان ويقوم بوظيفتين هما:
وظيفة عقلية نظرية |
وظيفة آمرة ناهية |
|
|
تعقيب على مذهب الضمير:
على الرغم من سمو المذهب الخلقي لبطلر إلا أنه واحة العديد من الانتقادات أهمها:
- لم يذكر السمة المشتركة بين الأفعال الخيرة التي تميزها وتضفي عليها الخيرية.
- يقول إن الضمير قوة عامة مشتركة بين الناس جميعاً. ومع ذلك فنحن نلاحظ أن الضمير ليس واحداً في الناس جميعاً، بدليل اختلافهم فيما يصدرون من أحكام على الفعل الإنساني الواحد.
5- مذهب الواجب العقلي:
- يرى "إمانويل كانط" أن فلسفة الأخلاق تقوم على أساس الإلزام الذاتي الذي يفرضه الإنسان على نفسه، وهي أخلاق الواجب.
- ويمكن إيجاز أهم الأفكار الفلسفية في مذهب "كانط" عن الواجب فيما يلي:
مفهوم الإرادة الخيرة:
- الإرادة الخيرة هي وحدها التي يمكن تصورها في هذا العالم. والشيء الوحيد الذي يمكن أن يعد خيراً على الإطلاق ودون أدنى قيد أو شرط.
- مثال: فإذا قصد إنسان أن يفعل فعلاً خيراً؛ كإنقاذ غريق يوشك على الهلاك أو إذا حاول طبيب أن ينقذ حياة مريض يعاني سكرات الموت لكن لم ينقذ الغريق ومات المريض أي فشل كل منهما.
الواجب أساس الأخلاق:
- أمر يستند أساساً إلى العقل وهذا الأساس العقلي هو ما يجعله مفروضاً على الإنسان بحكم طبيعته.. والمراد بالأساس العقلي هو أن نقيض الفعل يؤدي إلى انعدام الفعل نفسه.
- مثال: لو تصورنا كل إنسان يكذب في كل ما يقول لانتفى بين الناس إمكانية التفاهم؛ ولكان كل سامع سيحكم بالكذب على كل قول يسمعه، وإذن فلا حاجة للقائل إلى أي قول يقوله، كما انه لا حاجة للسامع إلى أي قول سمعه.
الأخلاق استجابة لإملاء العقل:
- إن معنى الواجب هو أداء الفعل احتراماً للقانون الخلقي الذي هو قاعدة عامة وقانون كلي فالإنسان إذا يميز الصواب من الخطأ في السلوك العملي.
- مثال: إن اللص يسرق وينجو من العقاب، وبذلك ينفع في حياته الدنيا بما سرق؛ لكن هذا اللص نفسه يأتيه الصوت من داخله ليقول له إنه قد اقترف إثماُ.
تعقيب على مذهب الواجب:
- يصدر السلوك الأخلاقي في مذهب الواجب عن العقل وحده، والعمل على إماتة دوافعنا وميولنا الفطرية، وهذا يخالف طبيعة الإنسان.
- وإجمالاً: إن السلوك الأخلاقي السليم ضروري لحياة كل إنسان يحترم إنسانيته حسب طبيعته وظروفه وإمكانياته.
يقول الإمام الشافعي: شكوت إلى وكيع سؤ حفظي فأرشدني بترك المعاصي، وقال لي أن العلم نور، ونور الله لا يهدي لعاصي".
أخي احفظ نظرك وسمعك من المعاصي.